لما بين الله ما في تزوج النبي عليه السلام بزينب من الفوائد بين أنه كان خالياً من وجوه المفاسد، وذلك لأن ما كان يتوهم من المفسدة كان منحصراً في التزوج بزوجة الابن فإنه غير جائز فقال الله تعالى إن زيداً لم يكن ابناً له لا بل أحد الرجال لم يكن ابن محمد، فإن قائل النبي كان أبا أحد من الرجال لأن الرجل اسم الذكر من أولاد آدم قال تعالى :﴿وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالا وَنِسَآءً﴾ (النساء : ١٧٦) والصبي داخل فيه، فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن الرجل في الاستعمال يدخل في مفهومه الكبر والبلوغ ولم يكن للنبي عليه السلام ابن كبير يقال إنه رجل والثاني : هو أنه تعالى قال :﴿مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ ووقت الخطاب لم يكن له ولد ذكر، ثم إنه تعالى لما نفى كونه أباً عقبه بما يدل على ثبوت ما هو في حكم الأبوة من بعض الوجوه فقال :﴿وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ﴾ فإن رسول الله كالأب للأمة في الشفقة من جانبه، وفي التعظيم من طرفهم بل أقوى فإن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأب ليس كذلك، ثم بين ما يفيد زيادة الشفقة من جانبه والتعظيم من جهتهم بقوله :﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ ﴾ وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئاً من النصيحة والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم وأجدى، إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد وقوله :﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا﴾ يعني علمه بكل شيء دخل فيه أن لا نبي بعده فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد صلى الله عليه وسلّم بتزوجه بزوجة دعيه تكميلاً للشرع وذلك من حيث إن قول النبي صلى الله عليه وسلّم يفيد شرعاً لكن إذا امتنع هو عنه يبقى في بعض النفوس نفرة، ألا ترى أنه ذكر بقوله ما فهم منه حل أكل الضب ثم لما لم يأكله بقي في النفوس شيء ولما أكل لحم الجمل طاب أكله مع أنه في بعض الملل لا يؤكل وكذلك الأرنب.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٢
١٧٢
وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن السورة أصلها ومبناها على تأديب النبي صلى الله عليه وسلّم وقد ذكرنا أن الله تعالى بدأ بذكر ما ينبغي أن يكون عليه النبي عليه السلام مع الله وهو التقوى وذكر ما ينبغي أن يكون عليه النبي عليه السلام مع أهله وأقاربه بقوله :﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لازْوَاجِكَ﴾ (الأحزاب : ٢٨) والله تعالى يأمر / عباده المؤمنين بما يأمر به أنبياءه المرسلين فأرشد عباده كما أدب نبيه وبدأ بما يتعلق بجانبه من التعظيم فقال :﴿عَلِيمًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ كما قال لنبيه :﴿مُّنتَظِرُونَ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ (الأحزاب : ١).
ثم ههنا لطيفة وهي أن المؤمن قد ينسى ذكر الله فأمر بدوام الذكر، أما النبي لكونه من المقربين لا ينسى ولكن قد يغتر المقرب من الملك بقربه منه فيقل خوفه فقال :﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ فإن المخلص على خطر عظيم وحسنة الأولياء سيئة الأنبياء وقوله :﴿ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ قد ذكرنا أن الله في كثير من المواضع لما ذكر وصفه بالكثرة إذ لا مانع من الذكر على ما بينا.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٢
١٧٣
أي إذا ذكرتموه فينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء وهو المراد بالتسبيح وقيل المراد منه الصلاة وقيل للصلاة تسبيحه بكرة وأصيلاً إشارة إلى المداومة وذلك لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين ويفهم منهما الوسط كقوله عليه السلام "لو أن أولكم وآخركم" ولم يذكر وسطكم ففهم منه المبالغة في العموم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٣
١٧٤
يعني هو يصلي عليكم ويرحمكم وأنتم لا تذكرونه فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح ﴿لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ يعني يهديكم برحمته والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار فقيل بأن اللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معاً وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز وينسب هذا القول إلى الشافعي رضي الله عنه وهو غير بعيد فإن أريد تقريبه بحيث يصير في غاية القرب نقول الرحمة والاستغفار يشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له والمراد هو القدر المشترك فتكون الدلالة تضمنية لكون العناية جزأ منهما ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ بشارة لجميع المؤمنين وإشارة إلى أن قوله ﴿يُصَلِّى عَلَيْكُمْ﴾ غير مختص بالسامعين وقت الوحي.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٤
١٧٤


الصفحة التالية
Icon