اللطيفة الثانية : قال في حق النبي عليه السلام سراجاً ولم يقل إنه شمس مع أنه أشد إضاءة من السراج لفوائد منها، أن الشمس نورها لا يؤخذ منه شيء والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة فإذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه، وكذلك إن غاب والنبي عليه السلام كان كذلك إذ كل صحابي أخذ منه نور الهداية كما قال عليه السلام :"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وفي الخبر لطيفة وإن كانت ليست من التفسير ولكن الكلام يجر الكلام وهي أن النبي عليه السلام لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب هو لا يبقى نور مستفاد منه/ وكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنو النبي عليه السلام ولا يأخذ منه إلا قول النبي عليه السلام وفعله، فأنوار المجتهدين كلهم من النبي عليه السلام ولم جعلهم كالسرج والنبي عليه السلام أيضاً سراج كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ويأخذ النور ممن اختار، وليس كذلك فإن مع نص النبي عليه السلام لا يعمل بقول الصحابي فيؤخذ من النبي النور ولا يؤخذ من الصحابي فلم يجعله سراجاً وهذا يوجب ضعفاً في حديث سراج الأمة والمحدثون ذكروه وفي تفسير السراج وجه آخر وهو أن المراد منه القرآن وتقديره إنا أرسلناك، وسراجاً منيراً عطفاً على محل الكاف أي وأرسلنا سراجاً منيراً وعلى قولنا إنه عطف على مبشراً ونذيراً يكون معناه وذا سراج لأن الحال لا يكون إلا وصفاً للفاعل أو المفعول، والسراج ليس وصفاً لأن النبي عليه السلام لم يكن سراجاً حقيقة أو يكون كقول القائل رأيته أسداً أي شجاعاً فقوله سراجاً أي هادياً مبيناً كالسراج يرى الطريق ويبين الأمر.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٥
١٧٦
وقوله تعالى :﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف على مفهوم تقديره إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً فاشهد وبشر ولم يذكر فاشهد للاستغناء عنه، وأما البشارة فإنها ذكرت إبانة للكرم ولأنها غير واجبة لولا الأمر. وقوله تعالى :﴿بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا﴾ هو مثل قوله :﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب : ٣٥) فالعظيم والكبير متقاربان وكونه من الله كبير فكيف إذا كان مع ذلك كبارة أخرى.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٦
إشارة إلى الإنذار يعني خالفهم وورد عليهم وعلى هذا فقوله تعالى :﴿وَدَعْ أَذَاـاهُمْ﴾ أي دعه إلى الله فإنه يعذبهم بأيديكم وبالنار، ويبين هذا قوله تعالى :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ أي الله كاف عبده، قال بعض المعتزلة لا يجوز تسمية الله بالوكيل لأن الوكيل أدون من الموكل وقوله تعالى :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ حجة عليه وشبهته واهية من حيث إن الوكيل قد يوكل للترفع وقد يوكل للعجز والله وكيل عباده لعجزهم عن التصرف، وقوله تعالى :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ يتبين إذا نظرت في الأمور التي لأجلها لا يكفى الوكيل الواحد منها أن لا يكون قوياً قادراً على العمل كالملك الكثير الأشغال يحتاج إلى وكلاء لعجز الواحد عن القيام بحميع أشغاله، ومنها أن لا يكون عالماً بما فيه التوكيل، ومنها أن لا يكون غنياً، والله تعالى عالم قادر وغير محتاج فكيفي وكيلاً.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٧
وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى في هذه السورة ذكر مكارم الأخلاق وأدب نبيه على ما ذكرناه، لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيه المرسل فكلما ذكر للنبي مكرمة وعلمه أدباً ذكر للمؤمنين ما يناسبه، فكما بدأ الله في تأديب النبي عليه الصلاة والسلام بذكر ما يتعلق بجانب الله بقوله :﴿مُّنتَظِرُونَ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ (الأحزاب : ١) وثنى بما يتعلق بجانب من تحت يده من أزواجه بقوله بعد :﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ﴾ (الأحزاب : ٢٨) وثلث بما يتعلق بجانب العامة بقوله :﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا﴾ (الأحزاب : ٤٥) / كذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله فقال :﴿عَلِيمًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب : ٤١) ثم ثنى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾ ثم كما ثلث في تأديب النبي بجانب الأمة ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيهم، فقال بعد هذا :﴿رَّقِيبًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ﴾ (الأحزاب : ٥٣) وبقوله :﴿النَّبِىِّا يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب : ٥٦) وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon