ثم قال تعالى :﴿إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ لم يحرم عليه المملوكات لأن الإيذاء لا يحصل بالمملوكة/ ولهذا لم يجز للرجل أن يجمع بين ضرتين في بيت لحصول التسوية بينهما وإمكان المخاصمة، ويجوز أن يجمع الزوجة وجمعاً من المملوكات لعدم التساوي بينهن ولهذا لا قسم لهن على أحد.
ثم قال تعالى :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا﴾ أي حافظاً عالماً بكل شيء قادراً عليه، لأن الحفظ لا يحصل إلا بهما.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٠
١٨١
ثم قال تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَـاظِرِينَ إِنَـاـاهُ﴾.
لما ذكر الله تعالى في النداء الثالث ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا﴾ (الأحزاب : ٤٥) بياناً لحاله مع أمته العامة قال للمؤمنين في هذا النداء لا تدخلوا إرشاداً لهم وبياناً لحالهم مع النبي عليه السلام من الاحترام ثم إن حال الأمة مع النبي على وجهين أحدهما : في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبين ذلك بقوله :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ﴾ وثانيهما : في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى :﴿النَّبِىِّا يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب : ٥٦) وقوله :﴿إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَـاظِرِينَ إِنَـاـاهُ﴾ أي لا تدخلوا بيوت النبي إلى طعام إلا أن يؤذن لكم.
ثم قال تعالى :﴿وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ لِحَدِيثٍا إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِا مِنكُم وَاللَّهُ لا﴾.
لما بين من حال النبي أنه داع إلى الله بقوله :﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ قال ههنا لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه فكذلك لا تدخلوا عليه إلا بعد دعائه وقوله :﴿غَيْرَ نَـاظِرِينَ﴾ منصوب على الحال. والعامل فيه على ما قاله الزمخشري لا تدخلوا قال وتقديره ولا تدخلوا بيوت النبي إلا مأذونين غير ناظرين، وفي الآية مسائل :
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨١
المسألة الأولى : قوله :﴿إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ﴾ إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم، فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير الإذن، وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى الطعام فإن لم يؤذن لكم إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز، نقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول، وأما قوله فلا يجوز إلا بالإذن الذي إلى طعام، نقول : قال الزمخشري الخطاب مع قوم كانوا يجيئون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقته بغير إذن، والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل وقوله :﴿إِلَى طَعَامٍ﴾ من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله إلى غير طعامه بإذنه، فإن غير الطعام ممكن وجوده مع الطعام، فإن من الجائز أن يتكلم معه وقتما يدعوه إلى طعام ويستقضيه في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الإطعام/ فإذا رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى الفعل فيصير من باب ﴿فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ (الإسراء : ٢٣) وقوله :﴿غَيْرَ نَـاظِرِينَ﴾ يعني أنتم لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيأ.
المسألة الثانية : قوله تعالى :﴿وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا ﴾ فيه لطيفة وهي أن العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن لا تدخلها إلا بإذن يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلاً لا بالدعاء ولا بالدعاء، فقال لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون بل كونوا طائعين سامعين إذا قيل لكم لا تدخلوا لا تدخلوا وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا، وإناه قيل وقته وقيل استواؤه وقوله :﴿إِلا أَن يُؤْذَنَ﴾ يفيد الجواز وقوله :﴿وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا ﴾ يفيد الوجود فقوله :﴿وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ﴾ ليس تأكيداً بل هو يفيد فائدة جديدة.
المسألة الثالثة : لا يشترط في الإذن التصريح به، بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال :﴿إِلا أَن يُؤْذَنَ﴾ من غير بيان فاعل، فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل / جاز والنقل دال عليه حيث قال تعالى :﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ وحد الصداقة لما ذكرنا، فلو جاء أبو بكر وعلم أن لا مانع في بيت عائشة من بيوت النبي عليه السلام من تكشف أو حضور غير محرم عندها أو علم خلو الدار من الأهل أو هي محتاجة إلى إطفاء حريق فيها أو غير ذلك، جاز الدخول.


الصفحة التالية
Icon