جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨١
المسألة الرابعة : قوله :﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا ﴾ كأن بعض الصحابة أطال المكث يوم وليمة النبي عليه السلام في عرس زينب، والنبي عليه السلام لم يقل له شيئاً، فوردت الآية جامعة لآداب، منها المنع من إطالة المكث في بيوت الناس، وفي معنى البيت موضع مباح اختاره شخص لعبادته أو اشتغاله بشغل فيأتيه أحد ويطيل المكث عنده، وقوله :﴿وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ قال الزمخشري هو عطف على ﴿غَيْرَ نَـاظِرِينَ﴾ مجرور، ويحتمل أن يكون منصوباً عطفاً على المعنى، فإن معنى قوله تعالى :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ لا تدخلوها هاجمين، فعطف عليه ﴿وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ﴾ ثم إن الله تعالى بين كون ذلك أدباً وكون النبي حليماً بقوله :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى ﴾ إشارة إلى أن ذلك حق وأدب، وقوله كان إشارة إلى تحمل النبي عليه السلام، ثم ذكر الله أدباً آخر وهو قوله :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ﴾ لما منع الله الناس من دخول بيوت النبي عليه السلام، وكان في ذلك تعذر الوصول إلى الماعون، بين أن ذلك غير ممنوع منه فليسأل وليطلب من وراء حجاب، وقوله ﴿ذَالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ يعني العين روزنة القلب، فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب. أما إن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر، ثم إن الله تعالى لما علم المؤمنين الأدب أكده بما يحملهم على محافظته، فقال :﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ وكل ما منعتم عنه مؤذ فامتنعوا عنه، وقوله تعالى :﴿وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَه مِنا بَعْدِه أَبَدًا ﴾ قيل سبب نزوله أن بعض الناس قيل هو طلحة بن عبيد الله، قال لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة، وقد ذكرنا أن اللفظ العام لا يغير معناه سبب النزول، فإن المراد أن إيذاء الرسول حرام، والتعرض لنسائه في حياته إيذاء فلا يجوز، ثم قال لا بل ذلك غير جائز مطلقاً، ثم أكد بقوله :﴿إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ أي إيذاء الرسول.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨١
١٨٢
يعني إن كنتم لا تؤذونه في الحال وتعزمون على إيذائه أو نكاح أزواجه بعده، فالله عليم بذات الصدور.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٢
١٨٣
ثم إن الله تعالى لما أنزل الحجاب استثنى المحارم بقوله :﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآاـاِهِنَّ وَلا أَبْنَآاـاِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَآاـاِهِنَّ وَلا مَا﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الحجاب أوجب السؤال من وراء الحجاب على الرجال، فلم لم يستثن الرجال عن الجناح، ولم يقل لا جناح على آبائهن ؟
فنقول قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا﴾ (الأحزاب : ٥٣) أمر بسدل الستر عليهن وذلك لا يكون إلا بكونهن مستورات محجوبات وكان الحجاب وجب عليهن، ثم أمر الرجال بتركهن كذلك، ونهوا عن هتك أستارهن فاستثنين عند الآباء والأبناء وفيه لطيفة : وهي أن عند الحجاب أمر الله الرجل بالسؤال من وراء حجاب، ويفهم منه كون المرأة محجوبة عن الرجل بالطريق الأولى، وعند الاستثناء قال تعالى :﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ﴾ عند رفع الحجاب عنهن، فالرجال أولى بذلك.
المسألة الثانية : قدم الآباء لأن اطلاعهم على بناتهن أكثر، وكيف وهم قد رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن، ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر. إنما الكلام في بني الإخوة حيث قدمهم الله تعالى على بني الأخوات، لأن بني الأخوات آباؤهم ليسوا بمحارم إنما هم أزواج خالات أبنائهم، وبني الأخوة آباؤهم محارم أيضاً، ففي بني الأخوات مفسدة ما وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك بنو الإخوة.
المسألة الثالثة : لم يذكر الله من المحارم الأعمام والأخوال، فلم يقل ولا أعمامهن ولا أخوالهن لوجهين أحدهما : أن ذلك علم من بني الإخوة وبني الأخوات، لأن من علم أن بني الأخ للعمات محارم علم أن بنات الأخ للأعمام محارم، وكذلك الحال في أمر الخال ثانيهما : أن الأعمام ربما يذكرون بنات الأخ عند أبنائهم وهم غير محارم، وكذلك الحال في ابن الخال.
المسألة الرابعة :﴿وَلا نِسَآاـاِهِنَّ﴾ مضافة إلى المؤمنات حتى لا يجوز التكشف للكافرات في وجه.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٣
المسألة الخامسة :﴿وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ ﴾ هذا بعد الكل، فإن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة، ومن الأئمة من قال المراد من كان دون البلوغ.


الصفحة التالية
Icon