المسألة الخامسة : لم يكن الموافق له في التأويب منحصراً في الجبال والطير ولكن ذكر الجبال، لأن الصخور للجمود والطير للنفور تستبعد منهما الموافقة، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى، ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشد قسوة من الحجارة.
المسألة السادسة : قوله :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ عطف، والمعطوف عليه يحتمل أن يكون قلنا المقدر في قوله يا جبال تقديره قلنا :﴿مِن جِبَالٍ﴾ أوبي وألنا، ويحتمل أن يكون عطفاً على آتينا تقديره آتيناه فضلاً وألنا له.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٩٨
المسألة السابعة : ألان الله له الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير، فإنه يلين بالنار وينحل حتى يصير كالمداد الذي يكتب به، فأي عاقل يستبعد ذلك من قدرة الله، قيل / إنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان له الحديد وعلمه صنعة اللبوس وهي الدروع، وإنما اختار الله له ذلك، لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وسعى في حفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل، فالزراد خير من القواس والسياف وغيرهما.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٩٨
١٩٩
قيل إن أن ههنا للتفسير فهي مفسرة، بمعنى أي اعمل سابغات وهو تفسير وتحقيقه لأن يعمل، يعني ألنا له الحديد ليعمل سابغات ويمكن أن يقال ألهمناه أن اعمل وأن مع الفعل المستقبل للمصدر فيكون معناه : ألنا له الحديد وألهمناه عمل سابغات وهي الدروع الواسعة ذكر الصفة ويعلم منها الموصوف وقدر في السرد، قال المفسرون : أي لا تغلظ المسامير فيتسع الثقب ولا توسع الثقب فتقلقل المسامير فيها، ويحتمل أن يقال السرد هو عمل الزرد، وقوله :﴿سَـابِغَـاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ ﴾ أي الزرد إشارة إلى أنه غير مأمور به أمر إيجاب إنما هو اكتساب والكسب يكون بقدر الحاجة وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل به القوت فحسب، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَاعْمَلُوا صَـالِحًا ﴾ أي لستم مخلوقين إلا للعمل الصالح فاعملوا ذلك وأكثروا منه، والكسب قدروا فيه، ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله :﴿إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وقد ذكرنا مراراً أن من يعمل لملك شغلاً ويعلم أنه بمرأى من الملك يحسن العمل ويتقنه ويجتهد فيه، ثم لما ذكر المنيب الواحد ذكر منيباً آخر وهو سليمان، كما قال تعالى :﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّه جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ (ص : ٣٤).
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٩٩
٢٠٠
وذكر ما استفاد هو بالإنابة فقال :﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌا وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِا وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّه ا وَمَن﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ﴾ بالرفع وبالنصب وجه الرفع ﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ﴾ مسخرة أو سخرت ﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ﴾ ووجه النصب ﴿وَلِسُلَيْمَـانَ﴾ سخرنا ﴿الرِّيحَ﴾ وللرفع وجه آخر / وهو أن يقال معناه :﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ﴾ كما يقال لزيد الدار، وذلك لأن الريح كانت له كالمملوك المختص به يأمرها بما يريد حيث يريد.
المسألة الثانية : الواو للعطف فعلى قراءة الرفع يصير عطفاً لجملة إسمية على جملة فعلية وهو لا يجوز أولا يحسن فكيف هذا فنقول لما بين حال داود كأنه تعالى قال ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح، وأما على النصب فعلى قولنا :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ كأنه قال : وألنا لداود الحديد وسخرنا لسليمان الريح.
المسألة الثالثة : المسخر لسليمان كانت ريحاً مخصوصة لا هذه الرياح، فإنها المنافع عامة في أوقات الحاجات ويدل عليه أنه لم يقرأ إلا على التوحيد فما قرأ أحد الرياح.
المسألة الرابعة : قال بعض الناس : المراد من تسخير الجبال وتسبيحها مع داود أنها كانت تسبح كما يسبح كل شيء ﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَه ﴾ (الإسراء : ٤٤)، وكان هو عليه السلام يفقه تسبيحها فيسبح، ومن تسخير الريح أنه راض الخيل وهي كالريح وقوله :﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ﴾ ثلاثون فرسخاً لأن من يخرج للتفرج في أكثر الأمر لا يسير أكثر من فرسخ ويرجع كذلك، وقوله في حق داود :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ وقوله في حق سليمان :﴿وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِ ﴾ أنهم استخرجوا تذويب الحديد والنحاس بالنار واستعمال الآلات منهما والشياطين أي أناساً أقوياء وهذا كله فاسد حمله على هذا ضعف اعتقاده (و) عدم اعتماده على قدرة الله والله قادر على كل ممكن وهذه أشياء ممكنة.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٠٠


الصفحة التالية
Icon