المسألة الثانية : قال :﴿أَرْسَلَ﴾ إسناداً للفعل إلى الغائب وقال :﴿سُقْنَـاهُ﴾ بإسناد الفعل إلى المتكلم وكذلك في قوله :﴿فَأَحْيَيْنَا﴾ وذلك لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال، ثم لما عرف قال : أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض فنفى الأول كان تعريفاً بالفعل العيجب، وفي الثاني كان تذيراً بالنعمة فإن كما(ل) نعمة الرياح والسحب بالسوق والإحياء وقوله :﴿رِّزْقًا لِّلْعِبَادِا وَأَحْيَيْنَا﴾ بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرناه من الفرق بين قوله :﴿أَرْسَلَ﴾ وبين قوله :﴿تُثِيرُ﴾.
المسألة الثالثة : ما وجه التشبيه بقوله :﴿كَذَالِكَ النُّشُورُ﴾ فيه وجوه : أحدها : أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة وثانيها : كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء وثالثها : كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٢٧
المسألة الرابعة : ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات مع أن الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فنقول لما ذكر الله أنه فاطر السموات والأرض، وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله :﴿جَاعِلِ الملائكة رُسُلا﴾ ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله :﴿وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ﴾.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٢٧
٢٢٨
ثم قال تعالى :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُه ا وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ﴾.
لما بين برهان الإيمان إشارة إلى ما كان يمنع الكفار منه وهو العزة الظاهرة التي كانوا يتوهمونها من حيث إنهم ما كانوا في طاعة أحد ولم يكن لهم من يأمرهم وينهاهم، فكانوا ينحتون الأصنام وكانوا يقولون إن هذه آلهتنا، ثم إنهم كانوا ينقلونها مع أنفسهم وإية عزة فوق المعية مع المبعود فهم كانوا يطلبون العزة وهي عدم التذلل للرسول وترك الأتباع له، فقال إن كنتم تطلبون بهذا الكفر العزة في الحقيقة، فهي كلها لله ومن يتذلل له فهو العزيز، ومن يتعزز عليه فهو الذليل وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال في هذه الآية :﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ وقال في آية أخرى :﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فقوله :﴿جَمِيعًا ﴾ يدل على أن لا عزة لغيره فنقول قوله :﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ أي في الحقيقة وبالذات وقوله :﴿وَلِرَسُولِه ﴾ أي بواسطة القرب من العزيز وهو الله وللمؤمنين بواسطة قربهم من العزيز بالله وهو الرسول، وذلك لأن عزة المؤمنين بواسطة النبي صلى الله عليه وسلّم ألا ترى قوله تعالى :﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
المسألة الثانية : قوله :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ تقرير لبيان العزة، وذلك لأن الكفار كانوا يقولون نحن لا نعبد من لا نراه ولا نحضر عنده، لأن البعد من الملك ذلة، فقال تعالى : إن كنتم لا تصلون إليه، فهو يسمع كلامهم ويقبل الطيب فمن قبل كلامه وصعد إليه فهو عزيز ومن رد كلامه في وجه فهو ذليل، وأما هذه الأصنام لا يتبين عندها الذليل من العزيز إذ لا علم لها فكل أحد يمسها وكذلك يرى علمكم فمن عمل صالحاً رفعه إليه، ومن عمل سيئاً رده عليه فالعزيز من الذي عمله لوجهه والذليل من يدفع الذي علمه في وجهه، وأما هذه الأصنام فلا تعلم شيئاً فلا عزيز يرفع عندها ولا ذليل، فلا عزة بها بل عليها ذلة، وذلك لأن ذلة السيد ذلة للعبد ومن كان معبوده وربه وإلهه حجارة أو خشباً ماذا يكون هو.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٢٨
المسألة الثالثة : في قوله :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ وجوه : أحدها : كلمة لا إله إلا الله هي الطيبة وثانيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر طيب ثالثها : هذه الكلمات الأربع وخامسة وهي تبارك الله والمختار إن كل كلام هو ذكر الله أو هو لله كالنصيحة والعلم، فهو إليه يصعد.
المسألة الرابعة : قوله تعالى :﴿وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُه ﴾ وفي الهاء وجهان أحدهما : هي عائدة إلى الكلم الطيب أي العمل الصالح هو الذي يرفعه الكلم الطيب ورد في الخبر "لا يقبل الله قولاً بلا عمل" وثانيهما : هي عائدة إلى العمل الصالح وعلى هذا في الفاعل الرافع وجهان : أحدهما : هو الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، وهذا يؤيده قوله تعالى :﴿مَّنْ عَمِلَ صَـالِحًا﴾ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن وثانيهما : الرافع هو الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon