أي ذلك الذي فعل هذه الأشياء من فطر السموات والأرض وإرسال الأرواح وإرسال الرياح وخلق الإنسان من تراب وغير ذلك له الملك كله فلا معبود إلا هو لذاته الكامل ولكونه ملكاً والملك مخدوم بقدر ملكه، فإذا كان له الملك كله فله العبادة كلها، ثم بين ما ينافي صفة الإلهية، وهو قوله :﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾، وههنا لطيفة : وهي أن الله تعالى ذكر لنفسه نوعين من الأوصاف أحدهما : أن الخلق بالقدرة الإرادة والثاني : الملك واستدل بهما على أنه إله معبود كما قال تعالى :﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَـاهِ النَّاسِ﴾ ذكر الرب والملك ورتب عليهما كونه إلهاً أي معبوداً، وذكر فيمن أشركوا به سلب صفة واحدة وهو عدم الملك بقوله :﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ ولم يذكر سلب الوصف الآخر لوجهين أحدهما : أن كلهم كانوا معترفين بأن لا خالق لهم إلا الله وإنما كانوا يقولون بأن الله تعالى فوض أمر الأرض والأرضيات إلى الكواكب التي الأصنام على صورتها وطوالعها فقال : لا ملك لهم ولا ملكهم الله شيئاً ولا ملكوا شيئاً وثانيهما : أنه يلزم من عدم الملك عدم الخلق لأنه لو خلق شيئاً لملكه فإذا لم يملك قطميراً ما خلق قليلاً ولا كثيراً.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣٠
٢٣٠
ثم قال تعالى :﴿إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُم وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾.
إبطالاً لما كانوا يقولون إن في عبادة الأصنام عزة من حيث القرب منها والنظر إليها وعرض الحوائج عليها، والله لا يرى ولا يصل إليه أحد فقال هؤلاء لا يسمعون دعاءكم والله يصعد إليه الكلم الطيب، ليسمع ويقبل ثم نزل عن تلك الدرجة، وقال هب أنهم يسمعون كما يظنون فإنهم كانوا يقولون بأن الأصنام تسمع وتعلم ولكن ما كان يمكنهم أن يقولون إنهم يجيبون لأن ذلك إنكار للمحس به وعدم سماعهم إنكار للمعقول والنزاع وإن كان يقع في المعقول فلا يمكن وقوعه في المحس به، ثم إنه تعالى قال :﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ لما بين عدم النفع فيهم في الدنيا بين عدم النفع منهم في الآخرة بل أشار إلى وجود الضرر منهم في الآخرة بقوله :﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ أي بإشراككم بالله شيئاً، كما قال تعالى :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ أي الإشراك وقوله :﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون ذلك خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلّم ووجهه هو أن الله تعالى لما أخبر أن الخشب والحجر يوم القيامة ينطق ويكذب عابده وذلك أمر لا يعلم بالعقل المجرد لولا إخبار الله تعالى عنه أنهم يكفرون بهم يوم القيامة، وهذا القول مع كون الخبر عنه أمراً عجيباً هو كما قال، لأن المخبر عنه خبير وثانيهما : هو أن يكون ذلك خطاباً غير مختص بأحد، أي هذا الذي ذكر هو كما قال :﴿وَلا يُنَبِّئُكَ﴾ أيها السامع كائناً من كنت ﴿مِثْلُ خَبِيرٍ﴾.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣٠
٢٣٠
ثم قال تعالى :﴿خَبِيرٍ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّه وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾.
لما كثر الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلّم والإصرار من الكفار وقالوا إن الله لعله يحتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمراً بالغاً ويهددنا على تركها مبالغاً فقال تعالى :﴿أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّه وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ﴾ فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة وهو معقول وذلك لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر لا يكون عند المخبر به علم أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به، ثم أن يكون معلوماً عند السامع حتى يقول له أيها السامع الأمر الذي تعرفه أنت فيه المعنى الفلاني كقول القائل زيد قائم أو قام أي زيد الذي تعرفه ثبت له قيام لا علم عندك به، فإن كان الخبر معلوماً عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهاً لا تفهيماً يحسن تعريف الخبر غاية الحسن، كقول القائل : الله ربنا ومحمد نبينا، حيث عرف كون الله رباً، وكون محمد نبياً، وههنا لما كان كون الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال :﴿أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ﴾.
المسألة الثانية : قوله :﴿إِلا اللَّهُ﴾ إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره، ثم قال :﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ﴾ أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم.


الصفحة التالية
Icon