المسألة الثالثة : في قوله :﴿الْحَمِيدُ﴾ لما زاد في الخبر الأول وهو قوله :﴿أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ﴾ زيادة وهو قوله :﴿إِلَى اللَّه ﴾ إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته زاد في وصفه بالغني زيادة وهو كونه حميداً إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غنى وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم لكونه حميداً واجب الشكر، فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو غني على الإطلاق ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير مقضي الحاجات بل قضى في الدنيا حوائجكم، وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣٠
٢٣١
ثم قال تعالى :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ بياناً لغناه وفيه بلاغة كاملة وبيانها أنه تعالى قال :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه، فإن المحتاج لا يقول فيه إن يشأ فلان هدم داره وأعدم عقاره، وإنما يقول لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها أو لولا الافتقار إلى العقار لتركتها، ثم إنه تعالى زاد بيان الاستغناء بقوله :﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك له كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر بأن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣١
٢٣٣
ثم قال تعالى :﴿وَمَا ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ أي الإذهاب والإتيان وههنا مسألة : وهي أن لفظ العزيز استعمله الله تعالى تارة في القائم بنفسه حيث قال في حق نفسه :﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ وقال في هذه السورة :﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ واستعمله في القائم بغيره حيث قال :﴿وَمَا ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ وقال :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين ؟
فنقول العزيز هو الغالب في اللغة يقال من عزيز أي من غلب سلب، فالله عزيز أي غالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله :﴿وَمَا ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ أي لا يغلب الله ذلك الفعل بل هو هين على الله وقوله :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ أي يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣٣
٢٣٤
وقوله تعالى :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ا وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ا ﴾ متعلق بما قبله، وذلك من حيث إنه تعالى لما بين الحق بالدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ أي لا تحمل نفس ذنب نفس فالنبي صلى الله عليه وسلّم لو كان كاذباً في دعائه لكان مذنباً وهو معتقد بأن ذنبه لا تحملونه أنتم فهو يتوقى ويحترز، والله تعالى غير فقير إلى عبادتكم فتفكروا واعلموا أنكم إن ضللتم فلا يحمل أحد عنكم وزركم وليس كما يقول :﴿ءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـايَـاكُمْ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿وَازِرَةٌ﴾ أي نفس وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى ولا جمع بين الموصوف والصفة فلم يقل ولا تزر نفس وازرة وزرة أخرى لفائدة أما الأول : فلأنه لو قال ولا تزر نفس وزر أخرى، لما علم أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها ووجه آخر : وهو أن قول القائل ولا تزر نفس وزر أخرى، قد يجتمع معها أن / لا تزر وزراً أصلاً كالمعصوم لا يزر وزر غيره ومع ذلك لا يزر وزراً رأساً فقوله :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ بين أنها تزر وزرها ولا تزر وزر الغير ﴿وَأَمَّآ﴾ ترك ذكر الموصوف فلظهور الصفة ولزومها للموصوف.
ثم قال تعالى :﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ إشارة إلى أن أحداً لا يحمل عن أحد شيئاً مبتدئاً ولا بعد السؤال، فإن المحتاج قد يصبر وتقضى حاجته من غير سؤاله، فإذا انتهى الافتقار إلى حد الكمال يحوجه إلى السؤال.
المسألة الثانية : في قوله :﴿مُثْقَلَةٌ﴾ زيادة بيان لما تقدم من حيث إنه قال أولاً :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ فيظن أن أحداً لا يحمل عن أحد لكون ذلك الواحد قادراً على حمله، كما أن القوى إذا أخذ بيده رمانة أو سفرجلة لا تحمل عنه، وأما إذا كان الحمل ثقيلاً قد يرحم الحامل فيحمل عنه فقال :﴿مُثْقَلَةٌ﴾ يعني ليس عدم الوزر لعدم كونه محلاً للرحمة بالثقل بل لكون النفس مثقلة ولا يحمل منها شيء.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٣٤


الصفحة التالية
Icon