وقولهم :﴿غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ إشارة إلى ظهور فساد عملهم ولهم وكأن الله تعالى كما لم يهدهم في الدنيا لم يهدهم في الآخرة، فما قالوا ربنا زدت للمحسنين حسنات بفضلك لا بعلمهم ونحن أحوج إلى تخفيف العذاب منهم إلى تضعيف الثواب فافعل بنا ما أنت أهله نظراً إلى فضلك ولا تفعل بنا ما نحن أهله نظراً إلى عدلك وانظر إلى مغفرتك الهاطلة ولا تنظر إلى معذرتنا الباطلة، وكما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة فقالوا الحمد لله وقالوا ربنا غفور اعترافاً بتقصيرهم شكور إقراراً بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم وقالوا :﴿أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِه ﴾ أي لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله وهم قالوا :﴿أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـالِحًا﴾ / إغماضاً في حق تعظيمه وإعراضاً عن الاعتراف بعجزهم عن الإتيان بما يناسب عظمته، ثم إنه تعالى بن أنه آتاهم ما يتعلق بقبول المحل من العمر الطويل وما يتعلق بالفاعل في المحل، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم كفاعل الخير فيهم ومظهر السعادات.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٤٤
فقال تعالى :﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾.
فإن المانع إما أن يكون فيهم حيث لم يتمكنوا من النظر فيما أنزل الله، وإما أن يكون في مرشدهم حيث لم يتل عليهم ما يرشدهم.
ثم قال تعالى :﴿فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ وقوله :﴿فَذُوقُوا ﴾ إشارة إلى الدوام وهو أمر إهانة، فما للظالمين الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها وأتوا بالمعذرة في غير وقتها من نصير في وقت الحاجة ينصرهم، قال بعض الحكماء قوله :﴿فَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ وقوله :﴿وَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ يحتمل أن يكون المراد من الظالم الجاهل جهلاً مركباً/ وهو الذي يعتقد الباطل حقاً في الدنيا ﴿وَمَا لَه مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ أي من علم ينفعه في الآخرة، والذي يدل عليه هو أن الله تعالى سمي البرهان سلطاناً، كما قال تعالى :﴿لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَـانٍ﴾ والسلطان أقوى ناصر إذ هو القوة أو الولاية وكلاهما ينصر والحق التعميم، لأن الله لا ينصره وليس غيره نصيراً فما لهم من نصير أصلاً، ويمكن أن يقال إن الله تعالى قال في آل عمران ﴿وَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ وقال :﴿فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّه وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ﴾ وقال ههنا :﴿فَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ أي هذا وقت كونهم واقعين في النار، فقد أيس كل منهم من كثير ممن كانوا يتوقعون منهم النصرة ولم يبق إلا توقعهم من الله فقال :﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه ا إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أصلاً، وهناك كان الأمر محكياً في الدنيا أو في أوائل الحشر، فنفى ما كانوا يتوقعون منهم النصرة وهم آلهتهم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٤٤
٢٤٥
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عَـالِمُ غَيْبِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
تقريراً لدوامهم في العذاب، وذلك من حيث إن الله تعالى لما قال :﴿وَجَزَا ؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ ولا يزاد عليها، فلو قال قائل : الكافر ما كفر بالله إلا أياماً معدودة، فكان ينبغي أن لا يعذب إلى مثل تلك الأيام، فقال تعالى إن الله لا يخفي عليه غيب السموات فلا يخفي عليه ما في الصدور، وكان يعلم من الكافر أن في قلبه تمكن الكفر بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله ولا عبده.
وفي قوله تعالى :﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ مسألة قد ذكرناها مرة ونعيدها أخرى، وهي أن لقائل أن يقول الصدور هي ذات اعتقادات وظنون، فكيف سمى الله الاعتقادات بذات الصدور ؟
ويقرر السؤال قولهم أرض ذات أشجار وذات جني إذا كان فيها ذلك، فكذلك الصدر فيه اعتقاد فهو ذو اعتقاد، فيقال له لما كان اعتبار الصدر بما فيه صار ما فيه كالساكن المالك حيث لا يقال الدار ذات زيد، ويصح أن يقال زيد ذو دار ومال وإن كان هو فيها.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٤٥
٢٤٦
ثم قال تعالى :﴿هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـا اـاِفَ فِى الارْضِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon