المسألة الثالثة : ما التحقيق في إذا التي للمفاجأة ؟
نقول هي إذا التي للظرف معناه نفخ في الصور فإذا نفخ فيه هم ينسلون لكن الشيء قد يكون ظرفاً للشيء معلوماً كونه ظرفاً، فعند الكلام يعلم كونه ظرفاً وعن المشاهدة لا يتجدد علم كقول القائل إذا طلعت الشمس أضاء الجو وغير ذلك، فإذا رأى إضاءة الجو عند الطلوع لم يتجدد علم زائد، وأما إذا قلت خرجت فإذا أسد بالباب كان ذلك الوقت ظرف كون الأسد بالباب. لكنه لم يكن معلوماً فإذا رآه علمه فحصل العلم بكونه ظرفاً له مفاجأة عند الإحساس فقيل إذا للمفاجأة.
المسألة الرابعة : أين يكون في ذلك الوقت أجداث وقد زلزت الصيحة الجبال ؟
نقول يجمع الله أجزاء كل واحد في الموضع الذي قبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه.
المسألة الخامسة : الموضع موضع ذكر الهيبة وتقدك ذكر الكافر ولفظ الرب يدل على الرحمة فلو قال بدل الرب المضاف إليهم لفظاً دالاً على الهيبة هل يكون أليق أم لا ؟
قلنا : هذا اللفظ أحسن ما يكون، لأن من أساء واضطر إلى التوجه من أحسن إليه يكون ذلك أشد ألماً وأكثر ندماً من غيره.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
المسألة السادسة : المسيء إذا توجه إلى المحسن يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، والنسلان هو سرعة المشي فكيف يوجد منهم ذلك ؟
نقول : ينسلون من غير اختيارهم، وقد ذكرنا في تفسير قوله :﴿فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ﴾ (الصافات : ١٩) أنه أراد أن يبين كمال قدرته ونفوذ إرادته حيث ينفخ في الصور، فيكون في وقته جمع وتركيب وإحياء وقيام وعدو في زمان واحد، فقوله :﴿فَإِذَا هُم مِّنَ الاجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ يعني في زمان واحد ينتهون إلى هذا الدرجة وهي النسلان الذي لا يكون إلا بعد مراتب.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
٢٩٤
يعني لما بعثوا قالوا ذلك، لأن قوله :﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ﴾ (يس : ٥١) يدل على أنهم بعثوا وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لو قال قائل : لو قال الله تعالى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون : يا ويلنا كان أليق، نقول معاذ الله، وذلك لأن قوله :﴿فَإِذَا هُم مِّنَ الاجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ (يس : ٥١) على ما ذكرنا إشارة إلى أنه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاءهم ويؤلفها ويحييها ويحركها، بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ، مع أن ذلك لا بد له من الجمع والتأليف، فلو قال يقولون، لكان ذلك مثل الحال لينسلون، أي ينسلون قائلين يا ويلنا وليس كذلك، فإن قولهم يا ويلنا قبل أن ينسلوا، وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفوائد.
المسألة الثانية : لو قال قائل : قد عرفنا معنى النداء في مثل يا حسرة ويا حسرتا ويا ويلنا، ولكن ما الفرق بين قولهم وقول الله حيث قال :﴿يَـاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾ (يس : ٣٠) من غير إضافة، وقالوا : يا حسرتا ويا حسرتنا ويا ويلنا ؟
نقول حيث كان القائل هو المكلف لم يكن لأحد علم إلا بحالة أو بحال من قرب منه، فكان كل واحد مشغولاً بنفسه، فكان كل واحد يقول : يا حسرتنا ويا ويلنا، فقوله :﴿قَالُوا يَـا أَبَانَا﴾ أي كل واحد قال يا ويلي، وأما حيث قال الله قال على سبيل العموم لشمول علمه بحالهم.
المسألة الثالثة : ما وجه تعلق :﴿يَـاوَيْلَنَا مَنا بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ بقولهم : نقول لما بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرسل، فقالوا : يا ولينا من بعثنا أبعثنا الله البعث الموعود به أم كنا نياماً فنبهنا ؟
وهذا كمال إذا يسمعون من الرسل، فقالوا : يا ويلنا من بعثنا أبعثنا الله البعث الموعود به أم كنا نياماً فنبهنا ؟
وهذا كما إذا كان إنسان موعوداً بأن يأتيه عدو لا يطيقه، ثم يرى رجلاً هائلاً يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول : هذا ذلك أم لا ؟
ويدل على ذكرنا قولهم :﴿مَنا بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ حيث جعلوا القبور موضع الرقاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نياماً فنبهوا أو كانوا موتى وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين، فقالوا :﴿مَنا بَعَثَنَا﴾ إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به، وقالوا :﴿مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ إشارة إلى توهمهم احتمال الانتباه.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٤
المسألة الرابعة :﴿هَـاذَا﴾ إشارة إلى ماذا ؟
نقول فيه وجهان أحدهما : أنه إشارة إلى المرقد كأنهم قالوا : من بعثنا من مرقدنا هذا فيكون صفة للمرقد يقال كلامي هذا صدق وثانيهما :﴿هَـاذَا﴾ إشارة إلى البعث، أي هذا البعث ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون.