ثم قال :﴿اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ قال ابن عباس : دلوهم يقال هديت الرجل إذا دللته وإنما استعملت الهداية ههنا، لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة، كما قال :﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (آل عمران : ٢١) فوقعت البشارة بالعذاب لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم لأولئك، وعن ابن عباس ﴿وَقَالُوا يَـاوَيْلَنَا هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ ﴾ يقال : وقفت الدابة اقفها وقفاً فوقفت هي وقوفاً، والمعنى احبسوهم وفي الآية قولان أحدهما :: على التقديم والتأخير، والمعنى قفوهم واهدوهم، والأصوب أنه لا حاجة إليه، بل كأنه قيل : فاهدوهم إلى صراط الجحيم فإذا انتهوا إلى الصراط قيل ﴿وَقِفُوهُمْ ﴾ فإن السؤال يقع هنللهك وقوله :﴿إِنَّهُمْ﴾ قيل عن أعمالهم في الدنيا وأقوالهم، وقيل المراد سألتهم الخزنة ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَا قَالُوا بَلَى وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ (الزمر : ٧١) ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد ذلك وهو قوله تعالى :﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ أي أنهم يسألون توبيخاً لهم، فيقال :﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ قال ابن عباس/ رضي الله عنهما : لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر : نحن جميع منتصر فقيل لهم يوم القيامة ما لكم غير متناصرين، وقيل يقال لكفار ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب.
ثم قال تعالى :﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع، ومعناه في الأصل طلب السلامة بترك المنازعة، والمقصود أنهم صاروا منقادين لا حيلة لهم في دفع تلك المضار لا العابد ولا المعبود.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٣١
٣٣٣
ثم قال تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ قيل هم والشياطين، وقيل الرؤساء والأتباع. ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ أي يسأل بعضهم بعضاً، وهذا التساؤل عبارة عن التخاصم وهو سؤال التبكيت يقولون غررتمونا، ويقول : أولئك لم قبلتم منا، وبالجملة فليس ذلك تساؤل المستفهمين، بل هو تساؤل التوبيخ واللوم، والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٣٣
٣٣٥
واعلم أن الله تعالى لما حكى عنهم أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون شرح كيفية ذلك التساؤل فقال :﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ وهذا قول الأتباع لمن دعاهم إلى الضلالة، وفي تفسير اليمين وجوه الأول : أن لفظ اليمين ههنا استعارة عن الخيرات والسعادات، وبيان كيفية هذه الاستعارة، أن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر لوجوه أحدها : اتفاق الكل على أن أشرف الجانبين هو اليمين والثاني : لا يباشرون الأعمال الشريفة إلا باليمين مثل مصافحة الأخيار والأكل والشرب وما على العكس منه يباشرونه باليد اليسرى الثالث : أنهم كانوا يتفاءلون وكانوا يتيمنون بالجانب الأيمن ويسمونه بالبارح الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحب التيامن في كل شيء الخامس : أن الشريعة حكمت بأن الجانب الأيمن لكاتب الحسنات والأيسر لكاتب السيئات السادس : أن الله تعالى وعد لمحسن أن يؤتى كتابه بيمينه، والمسيء أن يؤتى كتابه بيساره، فثبت أن الجانب الأيسر، وإذا كان كذلك لا جرم، استعير لفظ اليمين للخيرات والحسنات والطاعات، فقوله :﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ يعني أنكم كنتم تخدعوننا وتوهمون لنا أن مقصودكم من الدعوة إلى تلك الأديان نصرة الحق وتقوية الصدق والوجه الثاني : في التأويل أنه يقال فلان يمين فلان، إذا كان عنده بالمنزلة الحسنة، فقال هؤلاء الكفار لأئتمتهم الذين أضلوهم وزينوا لهم الكفر : إنكم كنتم تخدوعونا وتوهمون لنا، أننا عندكم بمنزلة اليمين، أي بالمنزلة الحسنة، فوثقنا بكم وقبلنا عنكم الوجه الثالث : أن أئمة الكفار كانوا قد حلفوا لهؤلاء المستضعفين أن ما يدعونهم إليه هو الحق، فوثقوا بإيمانهم وتمسكوا بعهودهم التي عهدوها لهم، فمعنى قوله :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon