الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿عِينٌ﴾ قال الزجاج : كبار الأعين حسانها واحدها عيناء.
الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ المكنون في اللغة المستور يقال كننت الشيء وأكنته، ومعنى هذا التشبيه أن ظاهر البيض بياض يشوبه قليل من الصفرة، فإذا كان مكنوناً كان مصوناً عن الغبرة والقترة، فكان هذا اللون في غاية الحسن والعرب كانوا يسمون النساء بيضات الخدور.
ولما تمم الله صفات أهل الجنة قال :﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ فإن قيل على أي شيء عطف قوله :﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ ؟
قلنا على قوله :﴿يُطَافُ عَلَيْهِم﴾ والمعنى يشربون ويتحادثون على الشراء قال الشاعر :
وما بقيت من اللذات إلا
محادثة الكرام على المدام
والمعنى فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٣٨
٣٤٠
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى كما ذكر في أهل الجنة أنهم يتساءلون عند الاجتماع على / شرب خمر الجنة فإن محادثة العقلاء بعضهم مع بعض على لشرب من الأمور اللذيذة، وتذكر الخلاص عند اجتماع أسباب الهلاك من الأمور اللذيذة، ذكر تعالى في هذه الآية أن أهل الجنة إذا اجتمعوا على الشرب وأخذوا في المكالمة والمساءلة كان من جملة تلك الكلمات أنهم يتذكرون أنهم كان قد حصل لهم في الدنيا ما يوجب لهم الوقوع في عذاب الله، ثم إنهم تخلصوا عنه وفازوا بالسعادة الأبدية، والمقصود من ذكر هذه الأشياء أن أهل الجنة يتكامل سرورهم وبهجتهم.
أما قوله :﴿قَالَ قَآاـاِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ﴾ أي قال قائل : من أهل الجنة إني كان لي قرين في الدنيا ﴿يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ أي كان يوبخني على التصديق بالبعث والقيامة ويقول تعجبا :﴿أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ أي لمحاسبون ومجازون، والمعنى أن ذلك القرين كان يقول هذه الكلمات على سبيل الاستنكار، ثم إن ذلك الرجل الذي هو من أهل الجنة يقول لجلسائه يدعوهم إلى كمال السرور بالاطلاع إلى النار لمشاهدة ذلك القرين ومخاطبته ﴿هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ﴾ والأقرب أنه تكلف أمراً اطلع معه لأنه لو كان مطلعاً بلا تكلف لم يكن إلى اطلاعه حاجة فلذلك قال بعضهم إنه ذهب إلى بعض أطراف الجنة فاطلع عندها إلى النار ﴿فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ﴾ أي في وسط الجحيم قال له موبخاً :﴿تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ﴾ أي لتهلكني بدعائك إياي إلى إنكار البعث والقيامة ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّى﴾ بالإرشاد إلى الحق والعصمة عن الباطل ﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ في النار مثلك، ولما تمم ذلك الكلام حصل قبل ذبح الموت والثاني : أن الذي يتكامل خيره وسعادته فإذا عظم تعجبه بها قد يقول أيدوم هذا لي ؟
أفيبقى هذا لي ؟
وإن كان على يقين من دوامه، ثم عند فراغهم من هذه المباحثات يقولون :﴿إِنَّ هَـاذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
وأما قوله :﴿لِمِثْلِ هَـاذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَـامِلُونَ﴾ فقيل إنه من بقية كلامهم، وقيل إنه ابتداء كلام من الله تعالى أي لطلب مثل هذه السعادات يجب أن يعمل العاملون.
المسألة الثانية : قال بعضهم المراد من هذا القائل ومن قرينه ما ذكره الله تعالى في سورة الكهف (٣٢) في قوله :﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ﴾ إلى آخر الآيات، وروي أن رجلين كانا شريكين فحصل لهما ثمانية آلاف دينار فقال أحدهما للآخر أقاسمك فقاسمه واشترى داراً بألف ديناراً فأراها صاحبه وقال : كيف ترى حسنها فقال : ما أحسنها فخرج وقال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك داراً من دور الجنة، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه تزوج بامرأة حسناء بألف دينار فتصدق هذا بألف دينار لأجل أن يزوجه الله من الحور العين/ ثم إن صاحبه اشترى بساتين بألفي دينار فتصدق هذا بألفي دينار، ثم إن الله أعطاه في الجنة ما طلب/ فعند هذا قال :﴿إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ﴾ إلى قوله :﴿فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات : ٥٥).
المسألة الثالثة : قوله :﴿أَءِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ اختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة قرأ نافع الأولى والثانية بالاستفهام بهمزة غير ممدودة والثالثة بكسر الألف من غير استفهام، ووافقه الكسائي إلا نه يستفهم الثالثة بهمزتين، وقرأ ابن عامر الأولى والثالثة بالاستفهام بهمزتين والثانية بكسر الألف من غير استفهام، وقرأ الباقون بالاستفهام في جميعها، ثم اختلفوا فإبن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطولة وبعدها ياء ساكنة خفيفة، وأبو عمرو مطولة، وعاصم وحمزة بهمزتين.


الصفحة التالية
Icon