المسألة الأولى : اعلم أن القوم لما عاتبوا إبراهيم على كسر الأصنام فهو أيضاً ذكر لهم الدليل الدال على فساد المصير إلى عبادتها فقال :﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ ووجه الاستدلال ظاهر وهو أن الخشب والحجر قبل النحت والإصلاح ما كان معبوداً للإنسان ألبتة، فإدا نحته وشكله على الوجه المخصوص لم يحدث فيه إلا آثار تصرفه، فلو صار معبوداً عند ذلك لكان معناه أن الشيء الذي ما كان معبوداً لما حصلت آثار تصرفاته فيه صار معبوداً عند ذلك، وفساد ذلك معلوم ببديهة العقل.
المسألة الثانية : احتج جمهور الأصحاب بقوله :﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى فقال النحويون : اتفقوا على أن لفظ ما مع ما بعده في تقدير المصدر فقوله :﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ معناه وعملكم، وعلى هذا التقدير صار معنى الآية والله خلقكم وخلق عملكم، فإن قيل هذه الآية حجة عليكم من وجوه الأول : أنه تعالى قال : دأتعبدون ما تنحتون} أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة العفل إلى الفاعل ولو كان ذلك واقعاً بتخليق الله لاستحال كونه فعلاً للعبد الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخاً لهم على عبادة الأصنام، لأنه تعالى بين أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، فلما تركوا عبادته سبحانه وهو خالقهم وعبدوا اوصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال : أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة العفل إلى الفاعل ولو كان ذلك واقعاً بتخليق الله لاستحال كونه فعلاً للعبد الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخاً لهم على عبادة الأصنام، لأنه تعالى بين أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، فلما تركوا عبادته سبحانه وهو خالقهم وعبدوا اوصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٥٣
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ ولو لم يكونوا فاعلين لأفعالهم لما جاز توخبيهم عليها سلمنا أن هذه الآية ليست حجة عليكم لكن لا نسلم أنها حجة لكم، قوله لفظة ما مع ما بعدها في تقدير المصدر، قلنا هذا ممنوع وبيانه أن سيبويه والأخفش اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال أعجبني/ ما قمت أي قيامك فجوزه سيبويه ومنعه الأخفش وزعم أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي وذك يدل على أن ما مع ما بعدها في تقدير المفعول عند الأخفش، سلمنا أن ذلك قد يكون بمعنى المصدر، لكنه أيضاً قد يكون بمعنى المفعول ويدل عليه وجوه الأول : قوله :﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ والمراد بقوله :﴿مَا تَنْحِتُونَ﴾ المنحوت لا النحت لأنهم ما عبدوا النحت وإنما عبدوا المنحوت فوجب أن يكون المراد بقوله :﴿مَا تَعْمَلُونَ﴾ المعمول لا العمل حتى يكون كل واحد من هذين اللفظين على وفق الآخر والثاني : أنه تعالى قال :﴿فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ (الأعراف : ١١٧) وليس المراد أنها تلقف نفس الإفك بل أراد العصي والجبال التي هي متعلقات ذلك الإفك فكذا ههنا الثالث : أنا لعرب تسمي محل العمل عملاً يقال في الباب والخاتم هذا عمل فلان والمراد محل عمله فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن لفظة ما مع بعدها كما تجيء بمعنى المصدر فقد تجيء أيضاً بمعنى المفعول فكان حمله ههنا على المفعول أولى لأن المقصود في هذه الآية تزييف مذهبهم في عبادة الأصنام لا بيان أنهم لا يوجدون إفعال أنفسهم/ لأن الذي جرى ذكره في أول الآية إلى هذا الموضع هو مسألة عبادة الأصنام لا خلق الأعمال، واعلم أن هذه السؤالات قوية وفي دلائلنا كثيرة، فالأولى ترك الاستدلال بهذه الآية والله أعلم.
واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم هذه الحجة القوية ولم يقدروا على الجواب عدلوا إلى طريق الإيذاء فقالوا : ابنوا له بنياناً واعلم أن كيفية ذلك البناء لا يدل عليها لفظ القرآن، قال ابن عباس : بنو حائطاً من حجر طوله في السماء ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وملأه ناراً فطرحوه فيها، وذلك هو قولهتعالى :﴿فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ﴾ وهي النار العظيمة، قال الزجاج : كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم، والألف واللام في الجحيم يدل على النهاية والمعنى في جحيمه، أي في جحيم ذلك البنيان، ثم قال تعالى :﴿فَأَرَادُوا بِه كَيْدًا فَجَعَلْنَـاهُمُ الاسْفَلِينَ﴾ والمعنى أن في وقت المحاجة حصلت الغلبة له، وعندما ألقوه في النار صرف الله عنه ضرر النار، فصار هو الغالب عليهم. واعلم أنه لما انقضت هذه الواقعة قال إبراهيم :﴿إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى﴾ ونظير هذه الآية قوله تعالى : دوقال إني مهاجر إلى ربي} (العنكبوت : ٢٦) وفيه مسائل :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٥٣


الصفحة التالية
Icon