الحجة الرابعة : قوله تعالى :﴿فَبَشَّرْنَـاهَا بِإِسْحَـاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـاقَ يَعْقُوبَ﴾ (هود : ٧١) فنقول لو كان الذبيح إسحق لكان الأمر بذبحه إما أن يقع قبل ظهور يعقوب، منه أو بعد ذلك فالأول : باطل لأنه تعالى لما بشرها بإسحق، وبشرها معه بأنه يحصل منه يعقوب فقبل ظهور يعقوب منه لم يجز الأمر بذبحه، وإلا حصل الخلف في قوله :﴿وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـاقَ﴾ والثاني : باطل لأن قوله :﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَـابُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ﴾ يدل على أن ذلك الإبن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه، وذلك ينافي وقوع هذه القصة في زمان آخر، فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحق.
الحجة الخامسة : حكى الله تعالى عنه أنه قال :﴿إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ (الصافات : ٩٩) ثم طلب من الله تعالى ولداً يستأنس به في غربته فقال :﴿رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ (الصافات : ١٠٠) وهذا السؤال إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد، لأنه لو حصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد، لأن طلب الحاصل محال وقوله :﴿هَبْ لِى مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ لا يفيد إلا طلب الولد الواحد، وكلمة من للتبعيض وأقل درجات البعضية الواحد فكأن قوله :﴿مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ لا يفيد إلا طلب الولد الواحد فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الأولاد فثبت أن هذا السؤال وقع حال طلب الولد الأول، وأجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحق، فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء وهو إسماعيل، ثم إن الله تعالى ذكر قيبه قصة الذبيح فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٥٥
الحجة السادسة : الأخبار الكثيرة في تعليق قرن الكبش بالكعبة، فكأن الطبيح بمكة. ولو كان الذبيح إسحق كان الذبح بالشام، واحتج من قال إن ذلك الذبيح هو إسحق بوجهين : الوجه الأول : أن أول الآية وآخرها يدل على ذلك، أما أولها فإنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال :﴿إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ وأجمعوا على أن المراد منه مهاجرته إلى الشام ثم قال : فبشرناه بغلام حليم} (الصافات : ١٠١) فوجب أن يكون هذا الغلام ليس إلا إسحق، ثم قال بعده :(الصافات : ١٠١) فوجب أن يكون هذا الغلام ليس إلا إسحق، ثم قال بعده :﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ﴾ وذلك يقتضي أن يكون المراد من هذا الغلام الذي بلغ معه السعي هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام، فثبت أن مقدمة هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحق، وأما آخر الآية فهو أيضاً يدل على ذلك لأنه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده :﴿وَبَشَّرْنَـاهُ بِإِسْحَـاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّـالِحِينَ﴾ ومعناه أنه بشره بكونه نبياً من الصالحين، وذكر هذه البشارة عقيب حكاية تلك القصة يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لأجل أنه تحمل هذه الشدائد في قصة الذبيح، فثبت بما ذكرنا أن أول الآية وآخرها يدل على أن الذبيح هو إسحق عليه السلام.
الحجة الثانية : على صحة ذلك ما اشتهر من كتاب يعقوب إلى يوسف عليه السلام من / يعقوب إسرائيل نبي الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله فهذا جملة الكلام في هذا الباب، وكان الزجاج يقول : الله أعلم أيهما الذبيح والله أعلم. واعلم أنه يتفرع على ما ذكرنا اختلافهم في موضع الذبح فالذين قالوا الذبيح هو إسماعيل قالوا : كان الذبح بمنى، والذين قالوا : إنه إسحق قالوا : هو بالشام وقيل ببيت المقدس، والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٥٥


الصفحة التالية
Icon