ثم قال تعالى :﴿وَقَالَ الْكَـافِرُونَ هَـاذَا سَـاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ وإنما لم يقل وقالوا بل قال :﴿وَقَالَ الْكَـافِرُونَ﴾ إظهاراً للتعجب ودلالة على أن هذا القول لا يصدر إلا عن الكفر التام، فإن الساحر هو الذي يمنع من طاعة الله ويدعو إلى طاعة الشيطان ودلالة على أن هذا القول لا يصدر إلا عن الكفر التام، فإن الساحر هو الذي يمنع من طاعة الله ويدعو إلى طاعة الشيطان وهو عندكم بالعكس من ذلك والكذاب هو الذي يخبر عن الشيء لا على ما هو عليه وهو يخبر عن وجود الصانع القديم الحكيم العليم عن الكذاب هو الذي يخبر عن الشيء لا على ما هو عليه وهو يخبر عن وجود الصانع القديم الحكيم العليم وعن الحشر والنشر وسائر الأشياء التي تثبت بدلائل العقول صحتها فكيف يكون كذاباً، ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذباً وهي ثلاثة أشياء أحدها : ما يتعلق بالإلهيات وثانيها : ما يتعلق بالنبوات وثالثها : ما يتعلق بالمعاد، أما لشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم :﴿أَجَعَلَ الالِهَةَ إِلَـاهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ﴾ روي أنه لما أسلم عمر فرح به المسلمون فرحاً شديداً وشق ذك على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفساً من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يعنون المسلمين فجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك، فقال صلى الله عليه وسلّم ماذا يسألونني، قالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال صلى الله عليه وسلّم : أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أتعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم العجم ؟
قالوا : نعم، قال تقولوا لا إله إلا الله، فقاموا وقالوا :﴿أَجَعَلَ الالِهَةَ إِلَـاهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ﴾ أي بليغ في التعجب وأقول منشأة التعجب من وجهين الأول : هو أن القوم ما كانوا من أصحاب النظر والاستدلال بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعلمه بحفظ الخلق العظيم قاسوا الغائب على الشاهد، فقالوا : لا بد في حفظ هذا العالم الكثير من آلهة كثيرة يتكفل كل واحد منهم بحفظ نوع آخر الوجه الثاني : أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا جاهلين مبطلين، وذها الإنسان الواحد يكون محقاً صادقاً، وأقول لعمري لو سلمنا إجراء حكم الشاهد على الغائب من غير ديل وحجة، لكانت الشبهة الألى لازمة، بطل أصل كلام المشهبة في الذابت وكلام المشبهة في الأفعال، أما المشبهة/ في الذات فهو أنهم يقولون لما كان كل موجود في الشاهد يجب أن يكون جسماً ومختصاً بحيز وجب ف يالغائب أن يكون كذلك، أما المشبهة في الأفعال فهم المعتزلة الذين يقولون أن الأمر الفلاني فبيح منا، فوجب أن يكون قبيحاً من الله، فثبت بما ذكرنا أنه إن صح كلام هؤلاء المشبهة في الذات وفي الأفعال لزم القطع بصحة شبهة هؤلاء المشركين، وحيث توافقنا على فسادها على فسادها علمنا أن عمدة المجسمة وكلام المعتزلة باطل فاسد. وأما الشبهة الثانية فلعمري لو كان التقيد حقاً لكانت هذه الشهبة لازمة وحيث كانت فاسدة علمنا أن التقليد باطل بقي ههنا أبحاث :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٧٧
البحث الأولى : أن العجاب هو العجيب إلا أنه أبلغ من العجيب كقولهم طويل وطوال وعريض وعراض وكبير وكبار وقد يشدد للمبالغة كقوله تعالى :﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا﴾ (نوح : ٢٢).
الثاني : قال صاحب "الكشاف" قرىء عجاب بالتخفيف والتشديد فقال والتشديد أبلغ من التخفيف كقوله تعالى :﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا ا عَلَى ا ءَالِهَتِكُمْ ﴾ قد ذكرنا أن لملأ عبارة عن القوم الذين إذا حضروا في المجلس فإنه تمتلىء القلوب والعيون من مهابتهم وعظمتهم، قوله :﴿مِنْهُمْ﴾ أي من قريش انطلقوا عن مجلس أبي طالب بن، بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجواب العتيد قائلين بعضهم البعض ﴿وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : القراءة المشهورة (أن امشوا) وقرأ ابن أبي عبلة امشوا بحذف أن، قال صاحب :"الكشاف" (أن) بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما يجري في المجلس المتقدم، فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول، وعن ابن عباس : وانطبق الملأ منهم يمشون.


الصفحة التالية
Icon