هل يتعوذ في كل ركعة :
المسألة الخامسة : قال الشافعي رضي الله عنه في "الأم" : قيل إنه يتعوذ في كل ركعة، ثم قال : والذي أقوله إنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى، وأقول : له أن يحتج عليه بأن الأصل هو العدم، وما لأجله أمرنا بذكر الاستعاذة هو قوله :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ وكلمة إذا لا تفيد العموم، ولقائل أن يقول : قد ذكرنا أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلية، فيلزم أن يتكرر الحكم بتكرر العلة، والله أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
صيغ الاستعاذة :
المسألة السادسة : أنه تعالى قال في سورة النحل :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَـانِ الرَّجِيمِ﴾ وقال في سورة أخرى ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وفي سورة ثالثة ﴿إِنَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فلهذا السبب اختلف العلماء فقال الشافعي : واجب أن يقول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو قول أبي حنيفة، قالوا : لأن هذا النظم موافق لقوله تعالى :﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَـانِ الرَّجِيمِ﴾، وموافق أيضاً لظاهر الخبر الذي رويناه عن جبير بن مطعم، وقال أحمد : الأولى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم جمعاً بين الآيتين، وقال بعض أصحابنا، الأولى أن يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لأن هذا أيضاً جمع بين الآيتين، وروى البيهقي في "كتاب السنن" بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل كبر ثلاثاً وقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقال الثوري والأوزاعي : الأولى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وروى الضحاك عن ابن عباس أن أول ما نزل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام قال : قل يا محمد : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال : قل (بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ﴾ (العلق : ١).
وبالجملة فالاستعاذة تطهر القلب عن كل ما يكون مانعاً من الاستغراق في الله، والتسمية توجه القلب إلى هيبة جلال الله والله الهادي.
هل التعوذ للقراءة أو للصلاة :
المسألة السابعة : التعوذ في الصلاة لأجل القراءة أم لأجل الصلاة ؟
عند أبي حنيفة ومحمد أنه لأجل القراءة، وعند أبي يوسف أنه لأجل الصلاة، ويتفرع على هذا الأصل فرعان : الفرع الأول : أن المؤتم هل يتعوذ خلف الإمام أم لا ؟
عندهما لا يتعوذ، لأنه لا يقرأ، وعنده يتعوذ، وجه قولهما قوله تعالى :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَـانِ الرَّجِيمِ﴾ علق الاستعاذة على القراءة، ولا قراءة على المقتدي، فلا يتعوذ، ووجه قول أبي يوسف أن التعوذ لو كان للقراءة لكان يتكرر بتكرر القراءة، ولما لم يكن كذلك بل كرر بتكرر الصلاة دل على أنها للصلاة لا للقراءة، الفرع الثاني : إذا افتتح صلاة العيد فقال : سبحانك اللهم وبحمدك هل يقول : أعوذ بالله ثم يكبر أم لا ؟
عندهما أنه يكبر التكبيرات ثم يتعوذ عند القراءة وعند أبي يوسف يقدم التعوذ على التكبيرات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
وبقي من مسائل الفاتحة أشياء نذكرها ههنا : ـ
السنة في القراءة :
المسألة الثامنة : السنة أن يقرأ القرآن على الترتيل، لقوله تعالى :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا﴾ (المزمل : ٤) والترتيل هو أن يذكر الحروف والكلمات مبينة ظاهرة، والفائدة فيه أنه إذا وقعت القراءة على هذا الوجه فهم من نفسه معاني تلك الألفاظ، وأفهم غيره تلك المعاني، وإذا قرأها بالسرعة لم يفهم ولم يفهم، فكان الترتيل أولى، فقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"يقال لصاحب القرآن إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا" قال أبو سليمان الخطابي : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة، يقال للقارىء : إقرأ وارق في الدرج على عدد ما كنت تقرأ من القرآن، فمن استوفى قراءة جميع آي القرآن استولى على أقصى الجنة.
المسألة التاسعة : إذا قرأ القرآن جهراً فالسنة أن يجيد في القراءة، روى أبو داود عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"زينوا القرآن بأصواتكم".


الصفحة التالية
Icon