المسألة العاشرة : المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء لا يبطل الصلاة، ويدل على أن المشابهة حاصلة بينهما جداً والتمييز عسر، فوجب أن يسقط التكليف بالفرق، بيان المشابهة من وجوه : الأول : أنهما من الحروف المجهورة، والثاني : أنهما من الحروف الرخوة، والثالث : أنهما من الحروف المطبقة/ والرابع : أن الظاء وإن كان مخرجه من بين طرف / اللسان وأطراف الثنايا العليا ومخرج الضاد من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس إلا أنه حصل في الضاد انبساط لأجل رخاوتها وبهذا السبب يقرب مخرجه من مخرج الظاء، والخامس : أن النطق بحرف الضاد مخصوص بالعرب قال عليه الصلاة والسلام :"أنا أفصح من نطق بالضاد" فثبت بما ذكرنا أن المشابهة بين الضاد والظاء شديدة وأن التمييز عسر، وإذا ثبت هذا فنقول : لو كان هذا الفرق معتبراً لوقع السؤال عنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي أزمنة الصحابة، لا سيما عند دخول العجم في الإسلام، فلما لم ينقل وقوع السؤال عن هذه المسألة البتة علمنا أن التمييز بين هذين الحرفين ليس في محل التكليف.
المسألة الحادية عشرة : اختلفوا في أن اللام المغلظة هل هي من اللغات الفصيحة أم لا ؟
وبتقدير أن يثبت كونها من اللغات الفصيحة لكنهم اتفقوا على أنه لا يجوز تغليظها حال كونها مكسورة لأن الانتقال من الكسرة إلى التلفظ باللام المغلظة ثقيل على اللسان، فوجب نفيه عن هذه اللغة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
لا تجوز الصلاة بالشاذة :
المسألة الثانية عشرة : اتفقوا على أنه لا يجوز في الصلاة قراءة القرآن بالوجوه الشاذة مثل قولهم "الحمدِ لله" بكسر الدال من الحمد أو بضم اللام من لله، لأن الدليل ينفي جواز القراءة بها مطلقاً، لأنها لو كانت من القرآن لوجب بلوغها في الشهرة إلى حد التواتر، ولما لم يكن كذلك علمنا أنها ليست من القرآن، إلا أنا عدلنا عن هذا الدليل في جواز القراءة خارج الصلاة فوجب أن تبقى قراءتها في الصلاة على أصل المنع.
المسألة الثالثة عشرة : اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالنقل المتواتر وفيه إشكال : وذلك لأنا نقول : هذه القراءات المشهورة إما أن تكون منقولة بالنقل المتواتر أو لا تكون، فإن كان الأول فحينئذٍ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله تعالى قد خير المكلفين بين هذه القراءات وسوى بينها في الجواز، وإذا كان كذلك كان ترجيح بعضها على البعض واقعاً على خلاف الحكم الثابت بالتواتر، فوجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير، لكنا نرى أن كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة، ويحمل الناس عليها ويمنعهم من غيرها، فوجب أن يلزم في حقهم ما ذكرناه، وأما إن قلنا إن هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر بل بطريق الآحاد فحينئذٍ يخرج القرآن عن كونه مفيداً للجزم والقطع واليقين، وذلك باطل بالإجماع، ولقائل أن يجيب عنه فيقول : بعضها متواتر، ولا خلاف بين الأمة فيه، وتجويز القراءة بكل واحد منها، وبعضها من باب الآحاد وكون بعض القراءات من باب الآحاد لا يقتضي خروج القرآن بكليته عن كونه قطعياً، والله أعلم.
الباب الثاني
في المباحث العقلية المستنبطة من قولنا :(أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم
اعلم أن الكلام في هذا الباب يتعلق بأركان خمسة : الاستعاذة، والمستعيذ، والمستعاذ به، والمستعاذ منه، والشيء الذي لأجله تحصل الاستعاذة.
الركن الأول : في الاستعاذة، وفيه مسائل : ـ
تفسير الاستعاذة :
المسألة الأولى : في تفسير قولنا :"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" بحسب اللغة فنقول : قوله :"أعوذ" مشتق من العوذ، وله معنيان : أحدهما : الالتجاء والاستجارة، والثاني : الالتصاق يقال :"أطيب اللحم عوذه" وهو ما التصق منه بالعظم، فعلى الوجه الأول معنى قوله أعوذ بالله أي : ألتجىء إلى رحمة الله تعالى وعصمته، وعلى الوجه الثاني معناه التصق نفسي بفضل الله وبرحمته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
وأما الشيطان ففيه قولان : الأول : أنه مشتق من الشطن، وهو البعد، يقال : شطن دارك أي بعد، فلا جرم سمي كل متمرد من جن وإنس ودابة شيطاناً لبعده من الرشاد والسداد، قال الله تعالى :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَـاطِينَ الانسِ وَالْجِنِّ﴾ (الأنعام : ١١٢) فجعل من الإنس شياطين، وركب عمر برذوناً فطفق يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبختراً فنزل عنه وقال : ما حملتموني إلا على شيطان. والقول الثاني : أن الشيطان مأخوذ من قوله شاط يشيط إذا بطل، ولما كان كل متمرد كالباطل في نفسه بسبب كونه مبطلاً لوجوه مصالح نفسه سمي شيطاناً.


الصفحة التالية
Icon