السؤال الثاني : ما المراد من قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ﴾ ؟
والجواب : فيه وجهان الأول : المراد أنزلنا الكتاب إليك ملتبساً بالحق والصدق والصواب على معنى كل ما أودعناه فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وأنواع التكاليف فهو حق وصدق يجب العمل به والمصير إليه الثاني : أن يكون المراد إنا أنزلنا إليك الكتاب بناء على دليل حق دل على أن التاب نازل من عند الله، وذلك الدليل هو أن الفصحاء عجزوا عن معارضته، ولو لم يكن معجزاً لما عجزوا عن معارضته.
ثم قال :﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما بين في قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ﴾ أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق والصواب أردف ها بعض ما فيه من الحق والصدق وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص ويتبرأ عن عبادة غير الله تعالى بالكلية، فأما اشتغاله بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص فهو المراد من قوله تعالى :﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا﴾، وأما براءته من عبادة غير الله تعالى فهو المراد بقوله :﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ لأن قوله :﴿أَلا لِلَّهِ﴾ يفيد الحصر، ومعنى الحصر أن يثبت الحكم في المذكور وينتفي عن غير المذكور، واعلم أن العبادة مع الإخلاص لا تعرف حقيقة إلا إذا عرفنا أن العبادة ما هي وأن الإخلاص ما هو وأن الوجوه المنافية للإخلاص ما هي فهذه أمور ثلاثة لا بد من البحث عنها :
أما العبادة : فهي فعل أو قول أو ترك فعل أو ترك قول ويؤتي به لمجرد اعتقاد أن الأمر به عظيم يجب قبوله.
وأما الإخلاص : فهو أن يكون الداعي له إلى الإتيان بذلك الفعل أو الترك مجرد هذا الانقياد والإمتثال، فإن حصل منه داع آخر فإما أن يكون جانب الداعي إلى الطاعة راجحاً على الجانب الآخر أو معادلاً له أو مرجوحاً. وأجمعوا على أن المعادل والمرجوح ساقط، وأما إذا كان الداعي إلى طاعة الله راجحاً على الجانب الآخر فقد اختلفوا في أنه هل يفيد أم لا، وقد ذكرنا هذه المسألة مراراً ولفظ القرآن يدل على وجوب الإتيان به على سبيل الخلوص/ لأن قوله :﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا﴾ / صريح في أنه يجب الإتيان بالعبادة على سبيل الخلوص وتأكد هذا بقوله تعالى :﴿وَمَآ أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (البينة : ٥) وأما بيان الوجوه المنافية للإخلاص فهي الوجوه الداعية للشريك وهي أقسام أحدها : أن يكون للرياء والسمعة فيه مدخل وثانيها : أن يكون مقصودة من الإتيان بالطاعة الفوز بالجنة والخلاص من النار وثالثها : أن يأتي بها ويعتقد أن لها تأثيراً في إيجاب الثواب أو دفع العقاب ورابعها : وهو أن يخلص الطاعات عن الكبائر حتى تصير مقبولة، وهذا القول إنما يعتبر على قول المعتزلة.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon