السؤال الأول : ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء ههنا، وعطف مثلها في أول السورة بالواو ؟
والجواب : أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنهم يشمئزون من سماع التوحيد ويستبشرون بسماع ذكر الشركاء، ثم ذكر بفاء التعقيب أنهم إذا وقعوا في الضر والبلاء والتجأوا إلى الله تعالى وحده، كان الفعل الأول مناقضاً للفعل الثاني، فذكر فاء التعقيب ليدل على أنهم واقعون في المناقضة الصريحة في الحال، وأنه ليس بين الأول والثاني فاصل مع أن كل واحد منهما مناقض للثاني، فهذا هو الفائدة في ذكر فاء التعقيب ههنا. فأما الآية الأولى فليس المقصود منها بيان وقوعهم في التناقض في الحال، فلا جرم ذكر الله بحرف الواو لا بحرف الفاء.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٠
السؤال الثاني : ما معنى التخويل ؟
الجواب : التخويل هو التفضل، يعني نحن نتفضل عليه وهو يظن أنه إنما وجده بالاستحقاق.
السؤال الثالث : ما المراد من قوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْما ﴾ ؟
الجواب : يحتمل أن يكون المراد، إنما أوتيته على علم الله بكوني مستحقاً لذلك، ويحتمل أن يكون المراد، إنما أوتيته على علمي بكوني مستحقاً له، ويحتمل أن يكون المراد، إنما أوتيته على علم لأجل ذلك العلم قدرت على اكتسابه مثل أن يكون مريضاً فيعالج نفسه، فيقول إنما وجدت الصحة لعلمي بكيفية العلاج، وإنما وجدت المال لعلمي بكيفية الكسب.
السؤال الرابع : النعمة مؤنثة، والضمير في قوله :﴿أُوتِيتُه ﴾ عائد على النعمة، فضمير التذكير كيف عاد إلى المؤنث، بل قال بعده :﴿بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ﴾ فجعل الضمير مؤنثاً فما السبب فيه ؟
والجواب : أن التقدير حتى إذا خولناه شيئاً من النعمة، فلفظ النعمة مؤنث ومعناه مذكر/ فلا جرم جاز الأمران.
ثم قال تعالى :﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فما أغنى عنهم الضمير في قالها راجح إلى قوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْما ﴾ عندي لأنها كلمة أو جملة من المقول ﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ هم قارون وقومه حيث قال :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْما ﴾ عندي وقومه راضون به فكأنهم قالوها، ويجوز أيضاً أن يكون في الأمم الخالية قائلون مثلها.
ثم قال تعالى :﴿فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي ما أغنى عنهم ذلك الاعتقاد الباطل والقول الفاسد الذي اكتسبوه من عذاب الله شيئاً بل أصابهم سيئات ما كسبوا، ولما بين في أولئك المتقدمين أنهم أصابهم سيئات ما كسبوا أي عذاب عقائدهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة قال :﴿وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أي لا يعجزونني في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾ يعني : أو لم يعلموا أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء تارة، ويقبض تارة أخرى، وقوله :﴿وَيَقْدِرُ ﴾ أي ويقتر ويضيق، والدليل عليه أنا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه ولا بد له من سبب، وذلك السبب ليس هو عقل الرجل وجهله، لأنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق، ونرى الجاهل المريض الضعيف في أعظم السعة، وليس ذلك أيضاً لأجل الطبائع والأنجم والأفلاك لأن في الساعة التي ولد فيها ذلك الملك الكبير والسلطان القاهر، قد ولد فيه أيضاً عالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان، ويولد أيضاً في تلك الساعة عالم من النبات، فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة، علمنا أنه ليس المؤثر في السعادة والشقاوة هو الطالع، ولما بطلت هذه الأقسام، علمنا أن المؤثر فيه هو الله سبحانه، وصح بهذا البرهان العقلي القاطع على صحة قوله تعالى :﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٠
قال الشاعر :
فلا السعد يقضي به المشترى
ولا النحس يقضي علينا زحل
ولكنه حكم رب السما
ء وقاضي القضاة تعالى وجل
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٠
٤٧٢
اعلم أنه تعالى لما أطنب في الوعيد أردفه بشرح كمال رحمته وفضله وإحسانه في حق العبيد وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon