السؤال الرابع : ما معنى قوله ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ ؟
والجواب كما أن طاعات الأنبياء والرسل إفضل من طاعات غيرهم، فكذلك القبائح التي تصدر عنهم فإنها بتقدير الصدور تكون أقبح لقوله تعالى :﴿إِذًا لاذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ (الإسراء : ٧٥) فكان المعنى ضعف الشرك الحاصل منه، وبتقدير حصوله منه يكون تأثيره في جانب غضب الله أقوى وأعظم.
واعلم أنه تعالى لما قدم هذه المقدمات ذكر ما هو المقصود فقال :﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ﴾، والمقصود منه ما أمروه به من اوسلام ببعض آلهتهم، كأنه قال إنكم تأمرونني بأن لا أعبد إلا غير الله لأن قوله ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُوانِّى أَعْبُدُ﴾ يفيد أنهم عينوا عليه عبادة غير الله، فقال الله إنهم بئسما قالوا ولكن أنت على الضد مما قالوا، فلا تعبد إلا الله، وذلك لأن قوله ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ يفيد الحصر. ثم قال :﴿وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ﴾ على ما هداك إلى أنه لا يجوز إلا عبادة الإله القادر عن الإطلاق العليم الحكيم، وعلى ما أرشدك إلى أنه يجب الإعراض عن عبادة كل ما سوى الله.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٩
٤٨٢
واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين أنهم أمروا الرسول بعبادة الأصنام، ثم إنه تعالى أقام الدلائل على فساد قولهم وأمر الرسول بأن يعبد الله ولا يعبد شيئاً آخر سواه، بين أنهم لو عرفوا الله حق معرفته لما جعلوا هذه الأشياء الخسيسة مشاركة له المعبودية، فقال :﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : احتج بعض الناس بهذه الآية على أن الخلق لا يعرفون حقيقة الله، قالوا لأن قوله ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ﴾ يفيد هذا المعنى إلا أنا ذكرنا أن هذا صفة حال الكفار فلا يلزم من وصف الكفار بأنهم ما قدروا الله حق قدرن وصف المؤمنين بذلك، فسقط هذا الكلام.
المسألة الثانية : قوله ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ﴾ يفيد هذا المعنى إلا أنا ذكرنا أن هذا صفة حال الكفار فلا يلزم من وصف الكفار بأنهم ما قدروا الله حق قدره وصف المؤمنين بذلك، فسقط هذا الكلام.
المسألة الثانية : قوله ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ﴾ أي ما عظموه حق تعظيمه، وهذه الآية مذكورة في سور ثلاث، في سورة الأنعام، وفي سورة الحج، وفي هذه السورة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٨٢


الصفحة التالية
Icon