الرابع : قوله ﴿يُنظَرُونَ﴾ وفيه وجهان الأول : ينظرون يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم والثاني : ينظرون ماذا يفعل بهم، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والخمود في مكان لأجل استيلاء الحيرة والدهشة عليهم.
ولما بين الله تعالى هاتين النفختين قال :﴿وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذه الأرض المذكورة ليست هي هذه الأرض التي يقعد عليها الآن بدليل قوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ﴾ (إبراهيم : ٤٨) وبدليل قوله تعالى :﴿وَحُمِلَتِ الارْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ (الحاقة : ١٤) بل هي أرض أخرى يخلقها الله تعالى لمحفل يوم القيامة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٨٢
المسألة الثانية : قالت المجسمة : إن الله تعالى نور محض، فإذا حضر الله في تلك الأرض لأجل القضاء بين عباده أشرقت تلك الأرض بنور الله، وأكدوا هذا بقوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (النور : ٣٥).
واعلم أن الجواب عن هذه الشبهة من وجوه الأول : أنا بينا في تفسير قوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ أنه لا يجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى نوراً بمعنى كونه من جنس هذه الأنوار المشاهدة، وبينا أنه لما تعذر حمل الكلام على الحقيقة وجب حمل لفظ النور ههنا على العدل، فنحتاج ههنا إلى بيان أن لفظ النور قد يستعمل في هذا المعنى، ثم إلى بيان أن المراد من لفظ النور ههنا ليس إلا هذا المعنى، أما بيان الإستعمال فهو أن الناس يقولون للملك العادل أشرقت الآفاق بعدلك، وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون أظلمت البلاد بجورك، وقال صلى الله عليه وسلّم :"الظلم ظلمات يوم القيامة" وأما بيان أن المراد من النور ههنا العدل فقط أنه قال :﴿وَجِا ى ءَ بِالنَّبِيِّـانَ وَالشُّهَدَآءِ﴾ ومعلوم أن المجيء بالشهداء ليس إلا لإظهار العدل، وأيضاً قال في آخر الآية بإثبات العدل وختمها بنفي الظلم والوجه الثاني : في الجواب عن الشبهة المذكورة أن قوله تعالى :﴿وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ يدل على أنه يحصل هناك نور مضاف إلى الله تعالى، ولا يلزم كون ذلك صفة ذات الله تعالى، لأنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب، فلما كان ذلك النور من خلق الله وشرفه بأن أضافه إلى نفسه كان ذلك النور نور الله، كقوله : بيت الله، وناقة الله وهذا الجواب أقوى من الأول، لأن في هذا الجواب لا يحتاج إلى ترك الحقيقة والذهات إلى المجاز. والوجه الثالث : أنه قد قال فلان رب هذه الأرض ورب هذه الدار ورب هذه الجارية، ولا يبعد أن يكون رب هذه الأرض ملكاً من الملوك، وعلى هذا التقدير فلا يمتنع كونه نوراً.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٨٢


الصفحة التالية
Icon