المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر في هذه الآية من أحوال ذلك اليوم أشياء : أولها : قوله ﴿وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ وقد سبق الكلام فيه وثانيها : قوله ﴿وَوُضِعَ الْكِتَـابُ﴾ وفي المراد بالكتاب وجوه الأول : أنه اللوح المحفوظ الذي يحصل فيه شرح أحوال عالم الدنيا إلى وقت قيام القيامة الثاني : المراد كتب الأعمال كما قال تعالى في سورة سبحان ﴿وَكُلَّ إِنسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـا اـاِرَه فِى عُنُقِه ا وَنُخْرِجُ لَه يَوْمَ الْقِيَـامَةِ كِتَـابًا يَلْقَـاـاهُ مَنشُورًا﴾ (الإسرار : ١٣) وقال أيضاً في آية أخرى ﴿مَالِ هَـاذَا الْكِتَـابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَـاهَا ﴾ (الكهف : ٤٩) وثالثها : قوله ﴿وَجِا ى ءَ بِالنَّبِيِّـانَ﴾ والمراد أن يكونوا شهداء على الناس، قال تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةا بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـا ؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء : ٤١) وقال تعالى :﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ﴾ (المائدة : ١٠٩) ورابعها : قوله ﴿وَالشُّهَدَآءُ﴾ والمراد ما قاله في ﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَـاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة : ١٤٣) أو أراد بالشهداء المؤمنين، وقال مقاتل : يعني الحفظة، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآاـاِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ (ق : ٢١) وقيل أراد بالشهداء المستشهدين في سبيل الله، ولما بين الله تعالى أنه يحضر في محفل القيامة جميع ما يحتاج إليه في فصل الحكومات وقطع الخصومات، بيّن تعالى أنه يوصل إلى كل أحد حقه، وعبّر تعالى عن هذا المعنى بأربع عبارات أولها : قوله تعالى :﴿وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ﴾ وثانيها : قوله ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ وثالثها : قوله ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ أي وفيت كل نفس جزاء ما علمت، ورابعها : قوله :﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ يعني أنه تعالى إذا لم يكن عالماً بكيفيات أحوالهم فلعله لا يقضي بالحق لأجل عدم العلم، أما إذا كان عالماً بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ في ذلك الحكم، فثبت أنه تعالى عبّر عن هذا المقصود بهذه العبارات المختلفة، والمقصود المبالغة في تقرير أن كل مكلف فإنه يصل إلى حقه.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٨٢
٤٨٢
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل القيامة على سبيل الإجمال فقال :﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ (الزمر : ٧٠) بين بعده كيفية أحوال أهل العقاب، ثم كيفية أحوال أهل الثواب وختم السورة.
أما شرح أحوال أهل العقاب فهو المذكور في هذه الآية، وهو قوله ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾ قال ابن زيدان : سوق الذين كفروا إلى جهنم يكون بالعنف والدفع، والدليل عليه قوله تعالى :﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ (الطور : ١٣) أي يدفعون دفعاً، نظيره قوله تعالى :﴿فَذَالِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (الماعون : ٢) أي يدفعه، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (مريم : ٨٦).
وأما الزمر، فهي الأفواج المتفرقة بعض في أثر بعض، فبين الله تعالى أنهم يساقون إلى جهنم فإذا جاءوها فتحت أبوابها، وهذا يدل على أن أبواب جهنم إنما تفتح عند وصول أولئك إليها، فإذا دخلوا جهنم قال لهم خزنة جهنم ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ أي من جنسكم ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَا ﴾ فإن قيل فلم أضيف اليوم إليهم ؟
قلنا أراد لقاء وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار، لا يوم القيامة، واستعمال لفظ اليوم والأيام في أوقات الشدة مستفيض، فعند هذا تقول الكفار : بلى قد أتونا وتلوا علينا ﴿وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ وفي هذه الآية مسألتان :
المسألة الأولى : تقدير الكلام أنه حقت علينا كلمة العذاب، ومن حقت عليه كلمة العذاب فكيف يمكنه الخلاص من العذاب، وهذا صريح في أن السعيد لا ينقلب شقياً، والشقي لا ينقلب سعيداً، وكلمات المعتزلة في دفع هذا الكلام معلومة، وأجوبتنا عنها أيضاً معلومة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٨٢


الصفحة التالية
Icon