الأول : أن الأرواح كانت متباينة عن الأجساد فإذا جاء يوم القيامة صارت الأرواح ملاقية للأجساد فكان ذلك اليوم يوم التلاق الثاني : أن الخلائق يتلاقون فيه فيقف بعضهم على حال البعض الثالث : أن أهل السماء ينزلون على أهل الأرض فيلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض قال تعالى :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ وَنُزِّلَ الْمَلَـا اـاِكَةُ تَنزِيلا﴾ (الفرقان : ٢٥) الرابع : أن كل أحد يصل إلى جزاء عمله في ذلك اليوم فكان ذلك من باب التلاق هو مأخوذ من قولهم فلان لقي عمله الخامس : يمكن أن يكون ذلك مأخوذاً من قوله ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّه ﴾ (الكهف : ١١٠) ومن قوله ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَه سَلَـامٌ ﴾ (الأحزاب : ٤٤) السادس : يوم يلتقي فيه العابدون والمعبودون السابع : يوم يلتقي فيه آدم عليه السلام وآخر ولده الثامن : قال ميمون بن مهران يوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم فربما ظلم الرجل رجلأْ وانفصل عنه ولو أراد أن يجده لم يقدر عليثه ولم يعرفه ففي يوم القيامة يحضران ويلقى بعضهم بعضاً، قرأ ابن كثير عنه التلاقي والتنادي بإثبات الياء في الوصل والوقف، وهادي وواقي بالياء في الوقف وبالتنوين في الوصل.
وأما بين أن الله تعالى كم عدد من الصفات ووصف بها يوم القيامة في هذه الآية، فنقول :
الصفة الأولى : كونن يوم التلاق وقد ذكرنا تفسيره.
الصفة الثانية : قوله ﴿يَوْمَ هُم بَـارِزُونَ ﴾ وفي تفسير هذا البروز وجوه الأول : أنهم برزوا عن بواطن القبور الثاني : بارزون أي ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأن الأرض بارزة قاع صفصف، وليس عليهم أيضاً ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الحديث :"يحشرون عراة حفاة غرلا" الثالث : أن يجعل كونهم بارزين كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى :﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاـاِرُ﴾ (الطارق : ٩) الرابع : أن هذه النفوس الناطقة البشرية كأنها في الدنيا انغمست في ظلمات أعمال الأبدان فإذا جاء يوم القيامة أعرضت عن الاشتغال بتدبير الجسمانيات وتوجهت بالكلية إلى عالم القيامة ومجمع الروحانيات، فكأنها برزت بعد أن كانت كامنة في الجسمانيات مستترة بها.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٠٨
الصفة الثالثة : قوله ﴿لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ ﴾ والمراد يوم لا يخفى على الله منهم شيء، والمقصود منه الوعيد فإنه تعالى بيّن أنهم إذا برزوا من قبورهم واجتمعوا وتلاقوا فإن الله تعالى يعلم ما فعله كل واحد منهم فيجازي كلاً بحسبه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهم وإن لم يعلموا تفصيل ما فعلوه، فالله تعالى عالم بذلك ونظيره قوله ﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ (الحاقة : ١٨) وقال :﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاـاِرُ﴾ (الطارق : ٩) وقال :﴿أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ﴾ (العاديات : ٩، ١٠) وقال :﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ (الزلزلة : ٤) فإن قيل الله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء في جميع الأيام، فما معنى تقييد هذا المعنى بذلك اليوم ؟
قلنا إنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم، فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه في الدينا/ قال تعالى :﴿وَلَـاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (فصلت : ٢٢) وقال :﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾ (النساء : ١٠٨) وهو معنى قوله :﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (إبراهيم : ٤٨).
الصفة الرابعة : قوله تعالى :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ والتقدير يوم ينادي فيه لمن الملك اليوم ؟
وهذا النداء في أي الأوقات يحصل فيه قولان :


الصفحة التالية
Icon