الفائدة الأولى : أن لفظة ﴿إِنِّى ﴾ تدل على التأكيد فهذا يدلل على أن الطريق المؤكد المعتبر في دفع الشرور والآفات عن النفس الاعتماد على الله والتوكل على عصمة الله تعالى.
الفائدة الثانية : أنه قال :﴿إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُم﴾ فكما أن عند القراءة يقول المسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن، فكذلك عند توجه الآفات والمخافات من شياطين الإنس إذا قال المسلم : أعوذ بالله فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الفائدة الثالثة : قوله ﴿بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ﴾ والمعنى كأن العبد يقول إن الله سبحانه هو الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني، ومن الآفات وقاني، وأعطاني نعماً لا حد لها ولا حصر، فلما كان المولى ليس إلا الله وجب أن لا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى.
الفائدة الرابعة : أن قوله ﴿وَرَبِّكُمْ﴾ فيه بعث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة با لله، والمعنى فيه أن الأرواح الطاهرة القوية إذا تطابقت على همة واحدة قوي ذلك التأثير جداً، وذلك هو السبب الأصلي في أداء الصلوات في الجماعات.
الفائدة الخامسة : أنه لم يذكر فرعون في هذا الدعاء، لأنه كان قد سبق له حق تربية على موسى من بعض الوجوه، فترك التعيين رعاية لذلك الحق.
الفائدة السادسة : أن فرعون وإن كان أظهر ذلك الفعل إلا أنه لا فائدة في الدعاء على فرعون بعينه، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفاً بتلك الصفة، حتى يدخل فيه كل من كان عدواً سواء كان مظهراً لتلك العداوة أو كان مخفياً لها.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥١٢
الفائدة السابعة : أن الموجب للاقدام على إيذاء الناس أمران أحدهما : كون الإنسان متكبراً قاسي القلب والثاني : كونه منكراً للبعث والقيامة، وذلك لأن التكبر القاسي قد يحمله طبعه على إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقراً بالعبث والحساب صار خوفه من الحساب مانعاً له من الجري على موجب تكبره، فإذا لم يحصل عنده الإيمان بالعبث والقيامة كانت الطبيعة داعية له إلى الإيذاء والمانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائلاً، وإذا كان الخوف من السؤال والحساب زائلاً فلا جرم تحصل القسوة والإيذاء.
الفائدة الثامنة : أن فرعون لما قال :﴿ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى ﴾ قال على سبيل الاستهزاء ﴿خَشِىَ رَبَّه ﴾ فقال موسى ن الذي ذكرته يا فرعون بطريق الاستهزاء هو الدين المبين والحق المنير، وأنا أدعو ربي وأطلب منه أن يدفع شرك عني، وسترى أن ربي كيف يقهرك، وكيف يسلطني عليك.
واعلم أن من أحاط عقله بهذه الفوائد علم أنه لا طريق أصلح ولا أصوب في دفع كيد الأعداء وإبطال مكرهم إلا الاستعاذة بالله والرجوع إلى حفظ الله والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥١٢
٥١٤
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله، بيّن أنه تعالى قيض إنساناً أجنبياً غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر.
يقول منصف هذا الكتاب رحمه الله، ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض له وأكتفي بتفويض ذلك الأمر إلى الله، فإنه سبحانه يقيض أقواماً لا أعرفهم ألبتة، يبالغون في دفع ذلك الشر، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في ذلك الرجل الذي كان من آل فرعون، فقيل إنه كان ابن عم لله، وكان جارياً مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة، وقيل كان قبطياً من آل فرعون وما كان من أقاربه، وقيل إنه كان من بني إسرائيل، والقول الأول أقرب لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة قال تعالى :﴿إِلا ءَالَ لُوطٍا نَّجَّيْنَـاهُم بِسَحَرٍ﴾ (القمر : ٣٤) وعن رسول الله أنه قال :"الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال :﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ﴾ والثالث علي بن أبي طالب وهو أفضلهم" وعن جعفر بن محمد أنه قال : كان أبو بكر خيراً من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه وقال أبو بكر جهاراً ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ﴾ فكان ذلك سراً وهذا كان جهاراً.
المسألة الثانية : لفظ من في قوله ﴿مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ﴾ يجوز أن يكون متعلقاً بقوله ﴿مُؤْمِنٍ﴾ أي كان ذلك المؤمن شخصاً من آل فرعون ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله ﴿يَكْتُمُ إِيمَـانَه ﴾ والتقدير رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون، وقيل إن هذا الاحتمال غير جائز لأنه يقال كتمت من فلان كذا، إنما يقال كتمته كذا قال تعالى :﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ (النساء : ٤٢).
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥١٤
المسألة الثالثة : رجل مؤمن الأكثرون قرأوا بضم الجيم وقرىء رجل بكسر الجيم كما يقال عضد في عضد.


الصفحة التالية
Icon