والصفة الرابعة والخامسة قوله تعالى :﴿وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ﴾ ولا يجوز أن يكون المراد بكونه علياً العلو في الجهة والمكان لما ثبتت الدلالة على فساده، ولا يجوز أن يكون المراد من العظيم العظمة بالجثة وكبر الجسم، لأن ذلك يقتضي كونه مؤلفاً من الأجزاء والأبعاض، وذلك ضد قوله ﴿اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) فوجب أن يكون المراد من العلي المتعالي عن مشابهة الممكنات ومناسبة المحدثات، ومن العظيم العظمة بالقدرة والقهر بالاستعلاء وكمال الإلهية.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٩٠
ثم قال :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ﴿تَكَادُ﴾ بالتاء ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ بالياء والنون، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة ﴿تَكَادُ﴾ بالتاء ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ بالياء والتاء، وقرأ نافع والكسائي :﴿يَكَادُ﴾ بالياء ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ أيضاً بالتاء، قال صاحب "الكشاف" : وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة بالتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روي في نوادر ابن الإعرابي : الإبل تتشمسن.
المسألة الثانية : في فائدة قوله ﴿يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ وجوه الأول : روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ قال والمعنى أنها تكاد تتفطر من ثقل الله عليها.
واعلم أن هذا القول سخيف، ويجب القطع ببراءة ابن عباس عنه، ويدل على فساده وجوه : الأول : أن قوله ﴿مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ لا يفهم منه ممن فوقهن وثانيها : هب أنه يحمل على ذلك، لكن لم قلتم إن هذه الحالة إنما حصلت من ثقل الله عليها، ولم لا يجوز أن يقال إن هذه الحالة إنما حصلت من ثقل الملائكة عليها، كما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلّم قال :"أطلت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد" وثالثها : لم لا يجوز أن يكون المراد تكاد السموات تنشق وتنفطر من هيبة من هو فوقها فوقية بالإلهية والقهر والقدرة ؟
فثبت بهذه الوجوه أن القول الذي ذكروه في غاية الفساد والركاكة والوجه الثاني : في تأويل الآية ما ذكره صاحب "الكشاف" : وهو أن كلمة الكفر إنما جاءت من الذين تحت السموات، وكان القياس أن يقال : يتفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك فقلب فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل : يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن، ودع الجهة التي تحتهن، ونظيره في المبالغة قوله تعالى ؛ ﴿هَـاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِم فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِه مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ (الحج : ١٩، ٢٠) فجعلل مؤثراً في أجزائه الباطنة الوجه الثالث : في تأويل الآية أن يقال ﴿مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ أي من فوق الأرضين، لأنه تعالى قال قبل هذه الآية ﴿لَّه مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ ﴾ ثم قال :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ أي من فوق الأرضين والوجه الرابع : في التأويل أن يقال معنى ﴿مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ أي من الجهة التي حصلت هذه السموات فيها، وتلك الجهة هي فوق، فقوله ﴿مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ أي من الجهة الفوقانية التي هن فيها.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٩٠
المسألة الثالثة : ا ختلفوا في أن هذه الهيئة لم حصلت ؟
وفيه قولان الأول : أنه تعالى لما بيّن أن الموحي لهذا الكتاب هو الله العزيز الحكيم، بيّن وصف جلاله وكبريائه، فقال :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ﴾ أي من هيبته وجلالته والقول الثاني : أن السبب في إثباتهم الولد لله لقوله ﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ (مريم : ٩٠)، وههنا السبب فيه إثباتهم الشركاء لله، لقوله بعد هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِه أَوْلِيَآءَ﴾ والصحيح هو الأول، ثم قال :﴿وَالْمَلَـا اـاِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الارْضِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon