ثم قال :﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ يعني أنا إنما فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين يعني الأنبياء.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٠
ثم قال :﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ أي للرحمة فهي نصب على أن يكون مفعولاً له.
ثم قال :﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يعني أن تلك الرحمة كانت رحمة في الحقيقة لأن المحتاجين، إما أن يذكروا بألسنتهم حاجاتهم، وإما أن لا يذكروها فهو تعالى يسمع كلامهم فيعرف حاجاتهم، وإن لم يذكروها فهي تعالى عالم بها فثبت أن كونه سمعيعاً عليماً يقتضي أن ينزل رحمته عليهم.
ثم قال :﴿رَبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة لأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي بكسر الباء من رب عطفاً على قوله ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ والباقون بالرفع عطفاً على قوله ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
المسألة الثانية : المقصود من هذه الآية أن المنزل إذا كان موصوفاً بهذه الجلالة والكبرياء كان المنزل الذي هو القرآن في غاية الشرف والرفعة.
المسألة الثالثة : الفائدة في قوله ﴿إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ من وجوه الأول : قال أبو مسلم معناه إن كنتم تطلبون اليقين وتريدونه، فاعرفوا أن الأمر كما قلنا، كقولهم فلان منجد منهم أي يريد نجداً وتهامة والثاني : قال صاحب "الكشاف" كانوا يقرون بأن للسموت والأرض رباً وخالقاً فقيل لهم إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب سبحانه وتعالى، ثم قيل إن هذا هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون يأنه رب السموات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم ويقين، كما تقول هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه إن بلغك حديثه وسمعت قصته، ثم إنه تعالى رد أن يكونوا موقنين بقوله ﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ وأن إقرارهم غير صادر عن علم ويقين ولا عن جد وحقيقة بل قول مخلوط بهزء ولعب والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٠
٦٦٣
اعلم أن المراد بقوله ﴿فَارْتَقِبْ﴾ انتظر ويقال ذلك في المكروه، والمعنى انتظر يا محمد عذابهم فحذف مفعول الارتقاب لدلالة ما ذكر بعده عليه وهو قوله ﴿هَـاذَا عَذْبٌ﴾ ويجوز أيضاً أن يكون ﴿يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ﴾ مفعول الارتقاب وقوله ﴿بِدُخَانٍ﴾ فيه قولان :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلّم دعا على قومه بمكة لما كذبوه فقال :"اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف" فارتفع المطر وأجدبت الأرض وأصابت قريشاً شدة المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الرويات ومقاتل مجاهد واختيار الفراء والمزجاج وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وكان ينكر أن يكنن الدخان إلا هذا الذي أصابهم من شدة الجوع كالظلمة في أبصارهم حتى كانوا كأنهم يرون دخاناً، فالحاصل أن هذا الدخان هو الصلمة التي في أبصارهم من شدة الجوع، وذكر ابن قتيبة في تفسير الدخان بهذه الحالة وجيهن الأول : أن في سنة القحط يعظم يبس الأرض بسبب انقطاع المطر ويرتفع المطر ويرتفع الغبار الكثير ويظلم الهواء، وذلك يشبه الدخان ولهذا يقال لسنة المجاعة الغبراء الثاني : أن العرب يسمون الشر الغالب بالدخان فيقول كان بيننا أمر ارتفع له دخان، والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه أظلمت عيناه فيرى الدنيا كالمملوءة من الدخان.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٣