ثم قال تعالى :﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ﴾ أي كما يكشف العذاب عنكم تعودون في الاحال إلى ما كنتم عليه من الشرك، والمقصود التنبيه على أنهم لا يوفون بعهدهم وأنهم في حال العجز يتضرعون إلى الله تعالى، فإذا زال الخوف عادوا إلى الكفر والتقليد لمذاهب الأسلاف.
ثم قال تعالى :﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ا إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ قال صاحب "الكشاف" وقرىء نبطش بضم الطاء/ وقرأ الحسن نبطش بضم النون كأنه تعالى يأمر الملائكة بأن يبطشوا بهم والبطش الأخذ بشدة، وأكثر ما يكون بوقع الضرب المتابع ثم صار بحيث يستعمل في إيصال الآلام المتتابعة، وفي المراد بهذا اليوم قولان :
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٣
القول الأول : أنه يوم بدر وهو قول ابن سمعود وابن عباس ومجاهد ومقاتل وأبي لعالية رضي الله تعلى عنهم، قالوا إن كفار مكة لما أزال الله تعالى عنهم القحط والجوع عادوا إلى لتكذيب فانتقم الله منهم يوم بدر.
والقول الثاني : أنه يوم القيامة روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : قال ابن معسود : البطشة الكبرى يوم بدر، وأنا أقول هي يوم القيامة، وهذا لقول أصح لأن يوم بدر لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف بهذا الوصف العظيم، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة لقوله تعالى :﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ ﴾ (غفر : ١٧) ولأن هذه البطشة لما وصفت بكونها كبرى على الإطلاق وجب أن تكون أعظم أنواع البطش وذلك ليس إلا في القيامة ولفظ الانتقام في حق الله تعالى من المتشابهات كالغضب والحياء ولتعجب، والمعنى معلوم والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٣
٦٦٤
اعلم أنه تعالى لما بين أن كفار مكة مصرون على كفرهم، بين أن كثيراً من المتقدمين أيضاً كانوا كذلك، فبين حصول هذه الصفة في أكثر قوم فرعون، قال صاحب "الكشاف" قرىء، ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا﴾ بالتشديد للتأكيد قال ابن عباس ابتلينا، وقال لازجاج بلونا، والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسول إليهم ﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ وهو موسى واختلفوا في معنى الكريم ههنا فقال الكلبي كريم على ربه يعني أنه استحق على ربه أنواعاً كثيرة من الإكرام، وقال مقاتل حسن الخلق وقال الفراء يقل فلان كريم قومه لأنه قال ما بعث رسول ألا من أشراف قومه وكرامهم.
ثم قال :﴿أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّه ﴾ وفي أن قولان الأول : أنها أن المفسرة وذلك لأن مجيء الرسول إلى من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم إلا مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله الثاني : أنها المخففة من الثقيلة ومعناه وجاءهم بأن الشأن والحديث أدواء، وعبدا الله مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول أدوهم إلى وأرسلوهم معي وهو كقوله ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل وَلا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ (طه : ٤٧) ويجوز أيضاً أن يكون نداء لهم والتقدير : أدوا إلى عباد الله ما هو واجب عليكم من الإيمان، وقبول دعوتي، وأتباع سبيلي، وعلل ذلك بأنه ﴿رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ قد ائتمنه الله على وحيه ورسالته وأن لا تعلوا أن هذه مثل الأول في وجيهيها أي لا تتكبروا على الله بإهانة وحيه ورسلوه ﴿وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى﴾ بحجة بينة يعترف بصحتها كل عاقل ﴿وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾ قيل المراد أن تقتلون وقيل ﴿أَن تَرْجُمُونِ﴾ بالقول فتقولوا ساحر كذاب ﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِى﴾ أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل ما أتيتكم به من الحجة، فاللام في لي لام الأجل ﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾ أي اخلوا سبيلي لا لي ولا علي.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٤
قل مصنف الكتاب رحمه الله تعالى : إن المعتزلة يتصلفون ويقولون إن لفظ الاعتزال أينما جاء في القرآن كان المراد منه الاعتزال عن الباطل لا عن الحق، فاتقف حضوري في بعض المحافل، وذكر بعضهم هذا الكلام فأوردت عليه هذه الآية، وقلت المراد الاعتزال في هذه الآية الاعتزال عن دين موسى عليه السلام وطريقته وذلك لا شك أنه اعتزال عن الحق فانقطع الرجل.
ثم قال تعالى :﴿فَدَعَا رَبَّه ﴾ الفاء في فدع تدل على أنه متصل بمحذوف قبله التأويل أنهم كفروا ولم يؤمنوا فدعا موسى ربه بأن هؤلاء قوم مجرمون، فإن قالوا الكفر أعظم حال من الجرم، فما السبب في أن جعل صفة الكفار كونهم مجرمين حل ما أراد المبالغة في ذمهم ؟
قلت لأن الكافر قد يكون عدلاً في دينه وقد يكون مجرماً في دينه وقد يكون فاسقاً في دينه فيكون أخس الناس/ قال صاحب "الكشاف" قرىء (إن هؤلاء) بالكسر على إضمار القول أي فدعا ربه فقال : إن هؤلاء قوم مجرمون.