ثم قال تعالى :﴿وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ يقال نشر الله الموتى وأنشرهم إذا بعثهم، ثم إن الكفار احتجوا على نفي الحشر والنشر بأن قالوا : إن كان البعث والنشور ممكنً معقولاً فجعلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بأن نسألوا ربكم ذلك، حتى يصير ذلك دليلاً عندنا على صدق دعواكم في النبوة والبعث في القيامة، قيل طلبوا من الرسول لله أن يدعو الله حتى ينشر قصي بن كلاب ليشاوروه في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وفي صحة البعث، ولما حكى عنهم ذلك قال :﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِم أَهْلَكْنَـاهُم إِنَّهُمْ كَانُوا ﴾ والمعنى أن كفار مكة لم يذكروا في نفي الحشر والنشر شبهة حتى يحتاج إلى الجواب عنها، ولكنهم أصروا على الجهل والتقليد في ذلك الإنكار، فلهذا السبب اقتصر لله تعالى على الوعيد، فقال إن سائر الكفار كانوا أقوى من هؤلاء، ثم إن الله تعالى أهلكهم فكذلك يهلك هؤلاء، فقوله تعالى :﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ استفهام على سبيل الإنكار، قال أبو عبيدة : ملوك اليمن كان كل واحد منهم يسمى تبعاً لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه، وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظم من ملوك العرب قالت عائشة، كان تبع رجلاً صالحاً، وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه، قال الكلبي هو أبو كرب أسعد، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم :"لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم ما أدري أكان تبع نبياً أو غير نبي" فإن قيل ما معنى قوله ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ مع أنه لا خير في الفريقين ؟
قلنا معناه أهم خير في القوة والشوكة، كقوله ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوالَـا اـاِكُمْ﴾ (القمر : ٤٣) بعد ذكر آل فرعون، ثم إنه تعالى ذكر الدليل القاطع على القول بالبعث والقيامة، فقال :﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ﴾ ولو لم يحصل البعث لكان هذا الخلق لعباً وعبثاً، وقد مرّ تقرير هذه لطريقة بالاستقصاء في أول سورة يونس، وفي آخر سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ حيث قال :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا﴾ (المؤمنون : ١١٥) وفي سورة ص حيث قال : دوما خلقنا السماء والأرض وما بينهم باطلاً} (ص : ٢٧).
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٨
ثم قال :(ص : ٢٧).
ثم قال :﴿مَا خَلَقْنَـاهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ والمراد أهل مكة، وأما استدلال المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر والفسق ولا يريدهما فهو مع جوابه معلوم، والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٨
٦٦٨
اعلم أن المقصود من قوله ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ﴾ (الدخان : ٣٨) إثبات القول بالبعث والقيامة، فلا جرم ذكر عقيبه قوله ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَـاتُهُمْ﴾ وفي تسمية يوم القيامة بيوم الفصل وجوه الأول : قال الحسن : يفصل الله فيه بين أهل الجنة وأهل النار الثاني : يفصل في الحكم والقضاء بين عباده الثالث : أنه في حق المؤمنين يوم الفصل، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يكرهه، وفي حق الكفار، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يريده، الرابع : أنه يظهر حال كل أحد كما هو، فلا يبقى في حاله ريبة ولا شبهة، فتنفصل الخيالات والشبهات، وتبقى الحقائق والبينات، قال ابن عباس رضي الله عنهما : المعنى أن يوم يفصل الرحمن بين عبداه ميقاتهم أجمعين البر والفاخر، ثم وصف ذلك اليوم فقال :﴿أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْـاًا﴾ يريد قريب عن قريب ﴿وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي ليس لهم ناصر، والمعنى أن الذي يتوقع منه النصرة إما القريب في الدين أو في النسب أو المعتق، وكل هؤلاء يسمون بالمولى، فلما لم تحصل النصرة منهم فبأن لا تحصل ممن سواهم أولى، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا﴾ إلى قوله ﴿وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (البقرة : ١٢٣) قال الواحدي : والمراد بقوله ﴿مَوْلًى عَن مَّوْلًى﴾ الكفار ألا ترى أنه ذكر المؤمن فقال :﴿إِلا مَن رَّحِمَ اللَّه ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المؤمن فإنه تشفع له الأنبياء والملائكة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٦٨
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على أن القول بالقيامة حق، ثم أردفه بوصف ذلك اليوم ذكر عقيبه وعيد الكفار، ثم بعده وعد الأبرار، أما وعيد الكفار فهو قوله ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الاثِيمِ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" قرىء ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ﴾ بكسر الشين، ثم قال وفيها ثلاث لغات : شجرة بفتح الشين وكسرها، وشيرة بالياء، وشبرة بالباء.
المسألة الثانية : لبحث عن اشتقاق لفظ الزقوم قد تقدم في سورة والصافات، فلا فائدة في الإعدة.