المسألة الرابعة : قال في حق المؤمنين ﴿اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ وقال في حق الكفار ﴿اتَّبَعُوا الْبَـاطِلَ﴾ من آلهتهم أو الشيطان، نقول أما آلهتهم فلأنهم لا كلام لهم ولا عقل، وحيث ينطقهم الله ينكرون فعلهم، كما قال تعالى :﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ (فاطر : ١٤) وقال تعالى :﴿وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَـافِرِينَ﴾ (الأحقاف : ٦) والله تعالى رضي بفعلهم وثبتهم عليه، ويحتمل أن يقال قوله ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ عائد إلى الأمرين جميعاً، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل، وهؤلاء الحق، أي من حكم ربهم، ومن عند ربهم.
ثم قال تعالى :﴿كَذَالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـالَهُمْ﴾ وفيه أيضاً مسائل :
المسألة الأولى : أي مثل ضربه الله تعالى حتى يقول ﴿كَذَالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـالَهُمْ﴾ ؟
نقول فيه وجهان أحدهما : إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات الأبرار الثاني : كون الكافر متبعاً للباطل، وكون المؤمن متبعاً للحق، ويحتمل وجهين آخرين أحدهما : على قولنا ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ أي من عند ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق، نقول هذا مثل يضرب عليه جميع الأمثال، فإن الكل من عند الله الإضلال وغيره والاتباع وغيره وثانيهما : هو أن الله تعالى لما بيّن أن الكافر يضل الله عمله والمؤمن يكفر الله سيئاته، وكان بين الكفر والإيمان مباينة ظاهرة فإنهما ضدان، نبه على أن السبب كذا أي ليس الإضلال والتكفير بسبب المضادة والاختلاف بل بسبب اتباع الحق والباطل، وإذا علم السبب فالفعلان قد يتحدان صورة وحقيقة وأحدهما يورث إبطال الأعمال والآخر يورث تكفير السيئات بسبب أن أحدهما يكون فيه اتباع الحق والآخر اتباع الباطل، فإن من يؤمن ظاهراً وقلبه مملوء من الكفر، ومن يؤمن بقلبه وقلبه مملوء من الإيمان اتحد فعلاهما في الظاهر، وهما مختلفان بسبب اتباع الحق واتباع الباطل، لا بدع من ذلك فإن من يؤمن ظاهراً وهو يسر الكفر، ومن يكفر ظاهراً بالإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان اختلف الفعلان في الظاهر، وإبطال الأعمال لمن أظهر الإيمان بسبب أن اتباع الباطل من جانبه فكأنه تعالى قال الكفر والإيمان مثلان يثبت فيهما حكمان وعلم سببه، وهو اتباع الحق والباطل، فكذلك اعلموا أن كل شيء اتبع فيه الحق كان مقبولاً مثاباً عليه، وكل أمر اتبع فيه الباطل كان مردوداً معاقباً عليه فصار هذا عاماً في الأمثال، على أنا نقول قوله ﴿كَذَالِكَ﴾ لا يستدعي أن يكون هناك مثل مضروب بل معناه أنه تعالى لما بيّن حال الكافر وإضلال أعماله وحال المؤمن وتكفير سيئاته وبيّن السبب فيهما، كان ذلك غاية الإيضاح فقال :﴿كَذَالِكَ﴾ أي مثل هذا البيان ﴿يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـالَهُمْ﴾ ويبين لهم أحوالهم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
المسألة الثانية : الضمير في قوله ﴿أَمْثَـالَهُمْ﴾ عائد إلى من ؟
فيه وجهان : أحدهما : إلى الناس /كافة قال تعالى :﴿يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـالَهُمْ﴾ على أنفسهم وثانيهما : إلى الفريقين السابقين في الذكر معناه : يضرب الله للناس أمثال الفريقين السابقين.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
ثم قال تعالى :﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى ا إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الفاء في قوله ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ﴾ يستدعي متعلقاً يتعلق به ويترتب عليه، فما وجه التعلق بما قبله ؟
نقول هو من وجوه : الأول : لما بيّن أن الذين كفروا أضل الله أعمالهم واعتبار الإنسان بالعمل، ومن لم يكن له عمل فهو همج فإن صار مع ذلك يؤذي حسن إعدامه ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ﴾ بعد ظهور أن لا حرمة لهم وبعد إبطال أعمالهم، فاضربوا أعناقهم الثاني : إذا تبين تباين الفريقين وتباعد الطريقين، وأن أحدهما يتبع الباطل وهو حزب الشيطان، والآخر يتبع الحق وهو حزب الرحمن حق القتال عند التحزب، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم الثالث : أن من الناس من يقول لضعف قلبه وقصور نظره إيلام الحيوان من الظلم والطغيان، ولا سيما القتل الذي هو تخريب بنيان، فيقال رداً عليهم : لما كان اعتبار الأعمال باتباع الحق والباطل فمن يقتل في سبيل الله لتعظيم أمر الله لهم من الأجر ما للمصلي والصائم، فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم ولا تأخذكم بهما رأفة فإن ذلك اتباع للحق والاعتبار به لا بصورة الفعل.
المسألة الثانية :﴿فَضَرْبَ﴾ منصوب على المصدر، أي فاضربوا ضرب الرقاب.


الصفحة التالية
Icon