المسألة الأولى : إن كان المراد الإثم، فكيف تضع الحرب الإثم والإثم على المحارب ؟
وكذلك السؤال في السلاح لكنه على الأول أشد توجهاً، فيقول تضع الحرب الأوزار لا من نفسها، بل تضع الأوزار التي على المحاربين والسلاح الذي عليهم.
المسألة الثانية : هل هذا كقوله تعالى :﴿وَسْـاَلِ﴾ (يوسف : ٨٢) حتى يكون كأنه قال حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها ؟
نقول ذلك محتمل في النظر الأول، لكن إذا أمعنت في المعنى تجد بينهما فرقاً، وذلك لأن المقصود من قوله ﴿فِدَآءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر يحارب حزباً من أحزاب الإسلام/ ولو قلنا حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية بمادتها كما تقول خصومتي ما انفصلت ولكني تركتها في هذه الأيام، وإذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إن الحرب لم يبق.
المسألة الثالثة : لو قال حتى لا يبقى حزب أو ينفر من الحرب هل يحصل معنى قوله ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ نقول لا والتفاوت بين العبارتين مع قطع النظر عن النظم، بل النظر إلى نفس المعنى كالتفاوت بين قولك انقرضت دولة بني أُمية، وقولك لم يبق من دولتهم أثر، ولا شك أن الثاني أبلغ، فكذلك ههنا قوله تعالى :﴿أَوْزَارَهَا ﴾ معناه آثارها فإن من أوزار الحرب آثارها.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
المسألة الرابعة : وقت وضع أوزار الحرب متى هو ؟
نقول فيه أقوال حاصلها راجع إلى أن ذلك الوقت هو الوقت الذي لا يبقى فيه حزب من أحزاب الإسلام وحزب من أحزاب الكفر وقيل ذلك عند قتال الدجال ونزول عيسى عليه السلام.
ثم قال تعالى :﴿ذَالِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ انتَصَرَ مِنْهُمْ﴾.
في معنى ذلك وجهان أحدهما : الأمر ذلك والمبتدأ محذوف ويحتمل أن يقال ذلك واجب أو مقدم، كما يقول القائل إن فعلت فذاك أي فذاك مقصود ومطلوب، ثم بيّن أن قتالهم ليس طريقاً متعيناً بل الله لو أراد أهلكهم من غير جند.
قوله تعالى :﴿وَلَـاكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾.
أي ولكن ليكلفكم فيحصل لكم شرف باختياره إياكم لهذا الأمر. فإن قيل ما التحقيق في قولنا التكليف ابتلاء وامتحان والله يعلم السر وأخفى، وماذا يفهم من قوله ﴿وَلَـاكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ ؟
نقول فيه وجوه الأول : أن المراد منه يفعل ذلك فعل المبتلين أي كما يفعل المبتلى المختبر، ومنها أن الله تعالى يبلو ليظهر الأمر لغيره إما للملائكة وإما للناس، والتحقيق هو أن الابتلاء والامتحان والاختبار فع يظهر بسببه أمر غيره متعين عند العقلاء بالنظر إليه قصداً إلى ظهوره، وقولنا فعل يظهر بسببه أمر ظاهر الدخول في مفهوم الابتداء، لأن ما لا يظهر بسببه شيء أصلاً لا يسمى ابتلاء، أما قولنا أمر غير متعين عند العقلاء، وذلك لأن من يضرب بسيفه على القثاء والخيار لا يقال إنه يمتحن، لأن الأمر الذي يظهر منه متعين وهو القطع والقد بقسمين، فإذا ضرب بسيفه سبعاً يقال يمتحن بسيفه ليدفع عن نفسه وقد يقده وقد لا يقده، وأما قولنا ليظهر منه ذلك فلأن من يضرب سبعاً بسيفه ليدفعه عن نفسه لا يقال إنه ممتحن لأن ضربه ليس لظهور أمر متعين، إذا علم هذا فنقول الله تعالى إذا أمرنا بفعل يظهر بسببه أمر غير متعين، وهو إما الطاعة أو المعصية في العقول ليظهر ذلك يكون ممتحناً، وإن كان عالماً به لكون عدم العلم مقارناً فينا لابتلائنا فإذا ابتلينا وعدم العلم فينا مستمر أمرنا وليس من ضرورات الابتلاء، فإن قيل الابتلاء فائدته حصول العلم عند المبتلى، فإذا كان الله تعالى عالماً فأية فائدة فيه ؟
نقول ليس هذا سؤال يختص بالابتلاء، فإن قول القائل : لم ابتلى كقول القائل لم عاقب الكافر وهو مستغن، ولم خلق النار محرقة وهو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع ولا تضر ؟
وجوابه : لا يسأل عما يفعل، ونقول حينئذ ما قاله المتقدمون إنه لظهور الأمر المتعين لإله، وبعد هذا فنقول : المبتلى لا حاجة له إلى الأمر الذي يظهر من الابتلاء، فإن الممتحن للسيف فيما ذكرنا من الصورة لا حاجة له إلى قطع ما يجرب السيف فيه حتى أنه لو كان محتاجاً، كما ضربنا من مثال دفع السبع بالسيف لا يقال إنه يمتحن وقوله ﴿لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ إشارة إلى عدم الحاجة تقريراً لقوله ﴿ذَالِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ انتَصَرَ مِنْهُمْ﴾.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
ثم قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـالَهُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon