ثم قال تعالى :﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاـاهُمْ﴾ يعني لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الإيمان، والمراد فكيف لهم الحال إذا جاءتهم ذكراهم، ومعنى ذلك يحتمل أن يكون هو قوله تعالى :﴿هَـاذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (الأنبياء : ١٠٣) ﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ (الصافات : ٢١) فيذكرون به للتحسر، وكذلك قوله تعالى :﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى ا إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ﴾ (الزمر : ٧١).
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
ولبيان المناسبة وجوه الأول : هو أنه تعالى لما قال :﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ (محمد : ١٨) قال :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ﴾ يأتي بالساعة، كما قال تعالى :﴿أَزِفَتِ الازِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾، وثانيها :﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ وهي آتية فكأن قائلاً قال متى هذا ؟
فقال :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ﴾ فلا تشتغل به واشتغل بما عليك من الاستغفار، وكن في أي وقت مستعداً للقائها ويناسبه قوله تعالى :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ﴾، الثالث :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ﴾ ينفعك، فإن قيل النبي عليه الصلاة والسلام كان عالماً بذلك فما معنى الأمر، نقول عنه من وجهين أحدهما : فاثبت على ما أنت عليه من العلم كقول القائل لجالس يريد القيام : اجلس أي لا تقم ثانيهما : الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام، والمراد قومه والضمير في أنه للشأن، وتقدير هذا هو أنه عليه السلام لما دعا القوم إلى الإيمان ولم يؤمنوا ولم يبق شيء يحملهم على الإيمان إلا ظهور الأمر بالبعث والنشور، وكان ذلك مما يحزن النبي عليه الصلاة والسلام، فسلى قلبه وقال أنت كامل في نفسك مكمل لغيرك فإن لم يكمل بك قوم لم يرد الله تعالى بهم خيراً فأنت في نفسك عامل بعلمك وعلمك حيث تعلم أن الله واحد وتستغفر وأنت بحمد الله مكمل وتكمل المؤمنين والمؤمنات وأنت تستغفر لهم، فقد حصل لك الوصفان، فاثبت على ما أنت عليه، ولا يحزنك كفرهم، وقوله تعالى :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون الخطاب معه والمراد المؤمنون وهو بعيد لإفراد المؤمنين والمؤمنات بالذكر. وقال بعض الناس ﴿لِذَنابِكِ﴾ أي لذنب أهل بيتك وللمؤمنين والمؤمنات أي الذين ليسوا منك بأهل بيت وثالثهما : المراد هو النبي والذنب هو ترك الأفضل الذي هو بالنسبة إليه ذنب وحاشاه من ذلك وثالثها : وجه حسن مستنبط وهو أن المراد توفيق العمل الحسن واجتناب العمل السيء، ووجهه أن الاستغفار طلب الغفران، والغفران هو الستر على القبيح ومن عصم فقد ستر عليه قبائح الهوى، ومعنى طلب الغفران أن لا تفضحنا وذلك قد يكون بالعصمة منه فلا يقع فيه كما كان للنبي صلى الله عليه وسلّم وقد يكون بالستر عليه بعد الوجود كما هو في حق المؤمنين والمؤمنات، وفي هذه الآية لطيفة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلّم له أحوال ثلاثة حال مع الله وحال مع نفسه وحال مع غيره، فأما مع الله وحده، وأما مع نفسك فاستغفر لذنبك واطلب العصمة من الله، وأما مع المؤمنين فاستغفر لهم واطلب الغفران لهم من الله ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاـاكُمْ﴾ يعني حالكم في الدنيا وفي الآخرة وحالكم في الليل والنهار.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٣٢
لما بيّن الله حال المنافق والكافر والمهتدي المؤمن عند استماع الآيات العلمية من التوحيد والحشر وغيرهما بقوله ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ (محمد : ١٦) وقوله ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ (محمد : ١٧) بين حالهم في الآيات العملية، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفاً من أن لا يؤهل لها، والمنافق إذا نزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه، ليعلم تباين الفريقين في العلم والعمل، حيث لا يفهم المنافق العلم ولا يريد العمل، والمؤمن يعلم ويحب العمل وقولهم ﴿لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ﴾ المراد منه سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق.


الصفحة التالية
Icon