المسألة الأولى : ما الفائدة في الإعادة ؟
نقول لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة، وقد يكون للعذاب فذكرهم أولى لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى :﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب : ٤٣) وثانياً لبيان إنزال العذاب على الكافرين.
المسألة الثانية : قال هناك ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (الفتح : ٤) وهنا ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ لأن قوله ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (الفتح : ٤) قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ﴾ (الزمر : ٣٧) وقال تعالى :﴿فَأَخَذْنَـاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ (القمر : ٤٢) وقال تعالى :﴿الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ﴾.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
المسألة الثالثة : ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة، وذكرهم ههنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم، نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله ﴿وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ ﴾ (الفتح : ٥) كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله ﴿وَكَانَ ذَالِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولاً ينزلون ويقربون آخراً وأما في الكافر فيغضب عليه أولاً فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى :﴿عَلَيْهَا مَلَـا اـاِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾ (التحريم : ٦) ولذلك ذكر جنود الرحمة أولاً والقربة بقوله عند الله آخراً، وقال ههنا ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ وهو الإبعاد أولاً وجنود السموات والأرض آخراً.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
قال المفسرون :﴿شَـاهِدًا﴾ على أمتك بما يفعلون كما قال تعالى :﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (البقرة : ١٤٣) والأولى أن يقال إن الله تعالى قال :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا﴾ وعليه يشهد أنه لا إله إلا الله كما قال تعالى :﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ﴾ (آل عمران : ١٨) وهم الأنبياء عليهم السلام، الذين آتاهم الله علماً من عنده وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، ولذلك قال تعالى :﴿فَاعْلَمْ أَنَّه لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ﴾ (محمد : ١٩) أي فاشهد وقوله ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ لمن قبل شهادته وعمل بها ويوافقه فيها ﴿وَنَذِيرًا﴾ لمن رد شهادته ويخالفه فيها ثم بيّن فائدة الإرسال على الوجه الذي ذكره فقال :﴿لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون الأمور الأربعة المذكورة مرتبة على الأمور المذكورة من قبل فقوله ﴿لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه ﴾ مرتب على قوله ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ /لأن كونه مرسلاً من الله يقتضي أن يؤمن المكلف بالله والمرسل وبالمرسل وقوله ﴿شَـاهِدًا﴾ يقتضي أن يعزر الله ويقوي دينه لأن قوله ﴿شَـاهِدًا﴾ على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إله إلا هو فدينه هو الحق وأحق ن يتبع وقوله ﴿مُبَشِّرًا﴾ يقتضي أن يوقر الله لأن تعظيم الله عنده على شبه تعظيم الله إياه. وقوله ﴿نَذِيرًا﴾ يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد، وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما : أن يكون كل واحد مقتضياً للأمور الأربعة فكونه مرسلاً يقتضي أن يؤمن المكلف بالله ورسوله ويعزره ويوقره ويسبحه، وكذلك كونه ﴿شَـاهِدًا﴾ بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة، وكذلك كونه ﴿مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلاً مقدماً يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله ﴿لِّتُؤْمِنُوا ﴾ يستدعي فعلاً وهو قوله ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ﴾ فكيف تترتب الأمور على كونه ﴿شَـاهِدًا وَمُبَشِّرًا﴾ لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظاً، كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالماً لتكرمه فاللفظ ينبىء عن كون البعث سبب الإكرام، وفي المعنى كونه عالماً هو السبب للإكرام، ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلاً لتكرمه كان حسناً، وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول : الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهداً كما تقول بعث العالم سبب جعله سبباً لا مجرد البعث، ولا مجرد العالم، في الآية مسائل :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥


الصفحة التالية
Icon