على قولنا :﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ (الفتح : ١٢) ظن آخر غير ما في قوله ﴿بَلْ ظَنَنتُمْ﴾ ظاهر، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن الله يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال :﴿وَمَن لَّمْ يُؤْمِنا بِاللَّهِ وَرَسُولِه ﴾ ويظن به خلفاً وبرسوله كذباً فإنا أعتدنا له سعيراً، وفي قوله ﴿لِلْكَـافِرِينَ﴾ بدلاً عن أن يقول فإنا أعتدنا له /فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال : ومن لم يؤمن بالله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيراً.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
بعد ما ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له عذاب أليم من الظانين الضالين، أشار إلى أنه يغفر للأولين بمشيئته ويعذب الآخرين بمشيئته، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل، وقوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ يفيد عظمة الأمرين جميعاً لأن من عظم ملكه يكون أجره وهبته في غاية العظم وعذابه وعقوبته كذلك في غاية النكال والألم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
ثم قال تعالى :﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ﴾.
أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ﴾ فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة، وفي قوله ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ﴾ وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان.
وقوله تعالى :﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَـامَ اللَّه قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَالِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ﴾.
يحتمل وجوهاً أحدها : هو ما قال الله إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين، والأظهر نظراً إلى قوله تعالى :﴿كَذَالِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ﴾، ثانيها : يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ (الفتح : ٦) وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة فيكونون من الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى :﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ (الفتح : ١٨) فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم فيلزم تبديل كلام الله ثالثها : هو أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما تخلف القوم أطلعه الله على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلّم ﴿فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَـاتِلُوا مَعِىَ عَدُوًّا ﴾ (التوبة : ٨٣) فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه، لا يقال فالآية /التي ذكرتم واردة في غزوة تبوك لا في هذه الواقعة، لأنا نقول قد وجد ههنا بقوله ﴿لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ على صيغة النفي بدلاً عن قوله : لا تتبعونا، على صيغة النهي معنى لطيف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلّم بنى على إخبار الله تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال :﴿لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك لما أخبر الله تعالى.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
ثم قال تعالى :﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ﴾.
رداً على قوله تعالى :﴿كَذَالِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ﴾ كأنهم قالوا : ما قال الله كذلك من قبل، بل تحسدوننا، وبل للاضراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين، أما ههنا فهو بتقدير ما قال الله وكذلك، فإن قيل بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟
نقول كأنهم قالوا نحن كنا مصيبين في عدم الخروج حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا.
ثم قال تعالى رداً عليهم كما ردوا ﴿بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا﴾ أي لم يفقهوا من قولك لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ولم يفهموا من حكمه إلا قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥


الصفحة التالية
Icon