وصف الرجال والنساء، يعني لولا رجال ونساء يؤمنون غير معلومين، وقوله تعالى :﴿أَن تَطَـاُوهُمْ﴾ بدل اشتمال، كأنه قال : رجال غير معلومي الوطء فتصيبكم منهم معرة عيب أو إثم، وذلك لأنكم ربما تقتلونهم فتلزمكم الكفارة وهي دليل الإثم، أو يعيبكم الكفار بأنهم فعلوا بإخوانهم ما فعلوا بأعدائهم، وقوله تعالى :﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ قال الزمخشري : هو متعلق بقوله ﴿أَن تَطَـاُوهُمْ﴾ يعني تطئوهم بغير علم، وجاز أن يكون بدلاً عن الضمير المنصوب في قوله ﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ ولقائل أن يقول : يكون هذا تكراراً، لأن على قولنا هو بدل من الضمير يكون التقدير : لم تعلموا أن تطئوهم بغير علم، فيلزم تكرار بغير علم الحصول بقوله ﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ فالأولى أن يقال ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ هو في موضعه تقديره : لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، من يعركم ويعيب عليكم، يعني إن وطأتموهم غير عالمين يصبكم مسبة الكفار ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي بجهل لا يعلمون أنكم معذورون فيه، أو نقول تقديره : لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، أي فتقتلوهم بغير علم، أو تؤذوهم بغير علم، فيكون الوطء سبب القتل، والوطء غير معلوم لكم، والقتل الذي هو بسبب المعرة وهو الوطء الذي يحصل بغير علم. أو نقول : المعرة قسمان أحدهما : ما يحصل من القتل العمد ممن هو غير العالم بحال المحل والثاني : ما يحصل من القتل خطأ، وهو /غير عدم العلم، فقال : تصيبكم منهم معرة غير معلومة، لا التي تكون عن العلم وجواب : لولا محذوف تقديره : لولا ذلك لما كف أيديكم عنهم، هذا ما قاله الزمخشري وهو حسن، ويحتمل أن يقال جوابه : ما يدل عليه قوله تعالى :﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ يعني قد استحقوا لأن لا يهملوا، ولولا رجال مؤمنون لوقع ما استحقوه، كما يقول القائل : هو سارق ولولا فلان لقطعت يده، وذلك لأن لولا لا تستعمل إلا لامتناع الشيء لوجود غيره/ وامتناع الشيء لا يكون إلا إذا وجد المقتضي له فمنعه الغير فذكر الله تعالى أولاً المقتضي التام البالغ وهو الكفر والصد والمنع، وذكر ما امتنع لأجله مقتضاه وهو وجود الرجال المؤمنين.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
وقوله تعالى :﴿لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِه مَن يَشَآءُا لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ فيه أبحاث :
الأول : في الفعل الذي يستدعي اللام الذي بسببه يكون الإدخال وفيه وجوه أحدها : أن يقال هو قوله ﴿كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ ليدخل، لا يقال بأنك ذكرت أن المانع وجود رجال مؤمنين فيكون كأنه قال : كف أيديكم لئلا تطئوا فكيف يكون لشيء آخر ؟
نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن نقول كف أيديكم لئلا تطئوا لتدخلوا كما يقال أطعمته ليشبع ليغفر الله لي أي الإطعام للشابع كان ليغفر الثاني : هو أنا بينا أن لولا جوابه ما دل عليه قوله ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فيكون كأنه قال هم الذين كفروا واستحقوا التعجل في إهلاكهم، ولولا رجال لعجل بهم ولكن كف أيديكم ليدخل ثانيها : أن يقال فعل ما فعل ليدخل لأن هناك أفعالاً من الألطاف والهداية وغيرهما، وقوله ﴿لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِه مَن يَشَآءُ ﴾ ليؤمن منهم من علم الله تعالى أنه يؤمن في تلك السنة أو ليخرج من مكة ويهاجر فيدخلهم في رحمته وقوله تعالى :﴿لَوْ تَزَيَّلُوا ﴾ أي لو تميزوا، والضمير يحتمل أن يقال هو ضمير الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، فإن قيل كيف يصح هذا وقد قلتم بأن جواب لولا محذوف وهو قوله لما كف أو لعجل ولو كان ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا ﴾ راجعاً إلى الرجال لكان لعذبنا جواب لولا ؟
نقول وقد قال به الزمخشري فقال :﴿لَوْ تَزَيَّلُوا ﴾ يتضمن ذكر لولا فيحتمل أن يكون لعذبنا جواب لولا، ويحتمل أن يقال هو ضمير من يشاء، كأنه قال ليدخل من يشاء في رحمته لو تزيلوا هم وتميزوا وآمنوا لعذبنا الذين كتب الله عليهم أنهم لا يؤمنون، وفيه أبحاث :
البحث الأول : وهو على تقدير نفرضه فالكلام يفيد أن العذاب الأليم اندفع عنهم، إما بسبب عدم التزييل، أو بسبب وجود الرجال وعلم تقدير وجود الرجال والعذاب الأليم لا يندفع /عن الكافر، نقول المراد عذاباً عاجلاً بأيديكم يبتدىء بالجنس إذ كانوا غير مقرنين ولا منقلبين إليهم فيظهرون ويقتدرون يكون أليماً.


الصفحة التالية
Icon