البحث الثاني : ما الحكمة في ذكر المؤمنين والمؤمنات مع أن المؤنث يدخل في ذكر المذكر عند الاجتماع ؟
قلنا الجواب عنه من وجهين أحدهما : ما تقدم يعني أن الموضع موضع وهم اختصاص الرجال بالحكم لأن قوله ﴿تَطَـاُوهُمْ فَتُصِيبَكُم﴾ معناه تهلكوهم والمراد لا تقاتل ولا تقتل فكان المانع وهو وجود الرجال المؤمنين فقال : والنساء المؤمنات أيضاً لأن تخريب بيوتهن ويتم أولادهن بسبب رجالهن وطأة شديدة وثانيهما : أن في محل الشفقة تعد المواضع لترقيق القلب، يقال لمن يعذب شخصاً لا تعذبه وارحم ذله وفقره وضعفه، ويقال أولاده وصغاره وأهله الضعفاء العاجزين، فكذلك ههنا قال :﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـاتٌ﴾ لترقيق قلوب المؤمنات ورضاهم بما جرى من الكف بعد الظفر.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
٩١
﴿إِذْ﴾ يحتمل أن يكون ظرفاً فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملاً له، ويحتمل أن يكون مفعولاً به، فإن قلنا إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يقال هو مذكور، ويحتمل أن يقال هو مفهوم غير مذكور، فإن قلنا هو مذكور ففيه وجهان أحدهما : هو قوله تعالى :﴿وَصَدُّوكُمْ﴾ (الفتح : ٢٥) أي وصدوكم حين جعلوا في قلوبهم الحمية وثانيها : قوله تعالى :﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ﴾ (الفتح : ٢٥) أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم الحمية والثاني : أقرب لقربه لفظاً وشدة مناسبته معنى لأنهم إذا جعلوا في قلوبهم الحمية لا يرجعون إلى الاستسلام والانقياد، والمؤمنون لما أنزل الله عليهم السكينة لا يتركون الاجتهاد في الجهاد والله مع المؤمنين فيعذبونهم عذاباً أليماً أو غير المؤمنين، وأما إن قلنا إن ذلك مفهوم غير مذكور ففيه وجهان أحدهما : حفظ الله المؤمنين عن أن يطئوهم وهم الذين كفروا الذين جعل في قلوبهم الحمية وثانيها : أحسن الله إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، وعلى هذا فقوله تعالى :﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَه ﴾ تفسير لذلك الإحسان، وأما إن قلنا إنه مفعول به، فالعامل مقدر تقديره أذكر، أي : أذكر ذلك الوقت، كما تقول أتذكر إذ قام زيد، أي أتذكر وقت قيامه /كما تقول أتذكر زيداً، وعلى هذا يكون الظرف للفعل المضاف إليه عاملاً فيه، وفي. لطائف معنوية ولفظية : الأولى : هو أن الله تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، فأشار إلى ثلاثة أشياء أحدها : جعل ما للكافرين بجعلهم فقال :﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وجعل ما للمؤمنين بجعل الله، فقال :﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ﴾ وبين الفاعلين ما لا يخفى ثانيها : جعل للكافرين الحمية وللمؤمنين السكينة وبين المفعولين تفاوت على ما سنذكره ثالثها : أضاف الحمية إلى الجاهلية وأضاف السكينة إلى نفسه حيث قال : حمية الجاهلية، وقال : سكينته، وبين الإضافتين ما لا يذكر الثانية : زاد المؤمنين خيراً بعد حصول مقابلة شيء بشيء فعلهم بفعل الله والحمية بالسكينة والإضافة إلى الجاهلية بالإضافة إلى الله تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٩١


الصفحة التالية
Icon