وقوله تعالى :﴿لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ إما على تقدير يقال له أو قيل له ﴿لَّقَدْ كُنتَ﴾ كما قال تعالى :﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ﴾ (الزمر : ٧٣) وقال تعالى :﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ (الزمر : ٧٢) والخطاب عام أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم وأما المؤمن فإنه يزداد علماً ويظهر له ما كان مخفياً عنه ويرى علمه يقيناً رأى المعتبر يقيناً فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال وشدة الأهوال كالغافل وفيه الوجهان اللذان ذكرناهما في قوله تعالى :﴿مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (ق : ١٩) والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه لأن الشاك يلتبس الأمر عليه والغافل يكون الأمر بالكلية محجوباً قلبه عنه وهو الغلف.
وقوله تعالى :﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ﴾ أي أزلنا عنك غفلتك ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ وكان من قبل كليلا، وقرينك حديداً، وكان في الدنيا خليلاً، وإليه الإشارة بقوله تعالى.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١١٩
وفي القرين وجهان أحدهما الشيطان الذي زين الكفر له والعصيان وهو الذي قال تعالى فيه ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ﴾ (فصلت : ٢٥) وقال تعالى :﴿نُقَيِّضْ لَه شَيْطَـانًا فَهُوَ لَه قَرِينٌ﴾ (الزخرف : ٣٦) وقال تعالى :﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ (الزخرف : ٣٨) فالإشارة بهذا المسوق إلى المرتكب الفجور والفسوق، والعتيد معناه المعد للنار وجملة الآية معناها أن الشيطان يقول هذا العاصي شيء هو عندي معد لجهنم أعددته بالإغواء والإضلال، والوجه الثاني ﴿وَقَالَ قَرِينُه ﴾ أي القعيد الشهيد الذي سبق ذكره وهو الملك وهذا إشارة إلى كتاب أعماله، وذلك لأن الشيطان في ذلك الوقت لا يكون له من المكانة أن يقول ذلك القول، ولأن قوله ﴿هَـاذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ﴾ فيكون عتيد صفته، وثانيهما أن تكون موصولة، فيكون عتيد محتملاً الثلاثة أوجه أحدها : أن يكون خبراً بعد خبر والخبر الأول ﴿مَا لَدَىَّ﴾ معناه هذا الذي هو لدي وهو عتيد وثانيها : أن يكون عتيد هو الخبر لا غير، و﴿مَا لَدَىَّ﴾ يقع كالوصف المميز للعتيد عن غيره كما تقول هذا الذي عند زيد وهذا الذي يجيئني عمرو فيكون الذي عندي والذي يجيئني لتمييز المشار إليه عن غيره ثم يخبر عنه بما بعده ثم يقال للسائق أو الشهيد ﴿أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ﴾ فيكون هو أمراً لواحد، وفيه وجهان أحدهما أنه ثنى تكرار الأمر كما ألق ألق، وثانيهما عادة العرب ذلك.
وقوله ﴿كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ الكفار يحتمل أن يكون من الكفران فيكون بمعنى كثير /الكفران، ويحتمل أن يكون من الكفر، فيكون بمعنى شديد الكفر، والتشديد في لفظة فعال يدل على شدة في المعنى، والعنيد فعيل بمعنى فاعل من عند عنوداً ومنه العناد، فإن كان الكفار من الكفران، فهو أنكر نعم الله مع كثرتها.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١١٩
١٣٩
وقوله تعالى :﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾.
فيه وجهان أحدهما : كثير المنع للمال الواجب، وإن كان من الكفر، فهو أنكر دلائل وحدانية الله مع قوتها وظهورها، فكان شديد الكفر عنيداً حيث أنكر الأمر اللائح والحق الواضح، وكان كثير الكفران لوجود الكفران منه عند كل نعمة عنيد ينكرها مع كثرتها عن المستحق الطالب، والخير هو المال، فيكون كقوله تعالى :﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ (فصلت : ٦، ٧) حيث بدأ ببيان الشرك، وثنى بالامتناع من إيتاء الزكاة، وعلى هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا الكفار من الكفران، كأنه يقول : كفر أنعم الله تعالى، ولم يؤد منها شيئاً لشكر أنعمه وثانيهما : شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خير محض من أن يدخل في قلوب العباد، وعلى هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا الكفار من الكفر، كأنه يقول : كفر بالله، ولم يقتنع بكفره حتى منع الخير من الغير.
وقوله تعالى :﴿مُعْتَدٍ﴾.
فيه وجهان أحدهما : أن يكون قوله ﴿مُعْتَدٍ﴾ مرتباً على ﴿مَّنَّاعٍ﴾ بمعنى مناع الزكاة، فيكون معناه لم يؤد الواجب، وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضاً بالربا والسرقة، كما كان عادة المشركين وثانيهما : أن يكون قوله ﴿مُعْتَدٍ﴾ مرتباً على ﴿مَّنَّاعٍ﴾ بمعنى منع الإيمان، كأنه يقول : منع الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه، وأهان من آمن وآذاه، وأعان من كفر وآواه.
وقوله تعالى :﴿مُّرِيبٍ﴾.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٣٩