المسألة الخامسة : ما هذه المنصوبات من حيث النحو ؟
فنقول أما ﴿ذَرْوًا﴾ فلا شك في كونه منصوباً على أنه مصدر، وأما ﴿وِقْرًا﴾ فهو مفعول به، كما يقال : حمل فلان عدلاً ثقيلاً، ويحتمل أن يكون اسماً أقيم مقام المصدر، كما يقال : ضربه سوطاً يؤيده قراءة من قرأ بفتح الواو. وأما ﴿يُسْرًا﴾ فهو أيضاً منصوب على أنه صفة مصدر، تقديره جرياً ذا يسر، وأما ﴿لَكَ أَمْرًا﴾ فهو إما مفعول به، كما يقال : فلان قسم الرزق أو المال وإما حال أتى على صورة المصدر، كما يقال : قتلته صبراً، أي مصبوراً كذلك ههنا ﴿لَكَ أَمْرًا﴾ أي مأمورة، فإن قيل : إن كان ﴿وِقْرًا﴾ مفعوله به فلم لم يجمع، ومما قيل : والحاملات أوقاراً ؟
نقول : لأن الحاملات على ما ذكرنا صفة الرياح، وهي تتوارد على وقر واحد، فإن ريحاً تهب وتسوق السحابة فتسبق السحاب، فتهب أخرى وتسوقها، وربما تتحول عنه يمنة ويسرة بسبب اختلاف الرياح، وكذلك القول في المقسمات أمراً، إذا قلنا هو مفعول به، لأن جماعة يكونون مأمورين تنقسم أمراً واحداً، أو نقول هو في تقدير التكرير كأنه قال : فالحاملات وقراً وقراً، والمقسمات أمراً أمراً.
المسألة الثامنة : ما فائدة الفاء ؟
نقول : إن قلنا إنها صفات الرياح فلبيان ترتيب الأمور في الوجود، فإن الذاريات تنشىء السحاب فتقسم الأمطار على الأمطار، وإن قلنا إنها أمور أربعة فالفاء للترتيب في القسم لا للترتيب في القسم لا للترتيب في المقسم به، كأنه يقول : أقسم بالرياح الذاريات ثم بالسحب الحاملات ثم بالسفن الجاريات ثم بالملائكة المقسمات، وقوله :﴿فَالْحَـامِلَـاتِ﴾ وقوله :﴿فَالْجَـارِيَـاتِ﴾ إشارة إلى بيان ما في الرياح من الفوائد، أما في البر فإنشاء السحب، وأما في البحر فإجراء السفن، ثم المقسمات إشارة إلى ما يترتب على حمل السحب وجري السفن من الأرزاق، والأرياح التي تكون بقسمة الله تعالى فتجري سفن بعض الناس كما يشتهي ولا تربح وبعضهم تربح وهو غافل عنه، كما قال تعالى :﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ﴾ (الزخرف : ٣٢). ثم قال تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٦٢
١٦٣
(ما) يحتمل أن يكون مصدرية معناه الإيعاد صادق و(إن) تكون موصولة أي الذي توعدون صادق، والصادق معناه ذو صدق كعيشة راضية ووصف المصدر بما يوصف به الفاعل بالمصدر فيه إفادة مبالغة، فكما أن من قال فلان لطف محض وحلم يجب أن يكون قد بالغ كذلك من قال كلام صادق وبرهان قاهر للخصم أو غير ذلك يكون قد بالغ، والوجه فيه هو أنه إذا قال هو لطف بدل قوله لطيف فكأنه قال اللطيف شيء له لطف ففي اللطيف لطف وشيء آخر، فأراد أن يبين كثرة اللطف فجعله كله لطفاً، وفي الثاني لما كان / الصدق يقوم بالمتكلم بسبب كلامه، فكأنه قال هذا الكلام لا يحوج إلى شيء آخر حتى يصح إطلاق الصادق عليه، بل هو كاف في إطلاق الصادق لكونه سبباً قوياً وقوله تعالى :﴿تُوعَدُونَ﴾ يحتمل أن يكون من وعد ويحتمل أن يكون من أوعد، والثاني هو الحق لأن اليمين مع المنكر بوعيد لا بوعد. وقوله تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٦٣
١٦٣
أي الجزاء كائن، وعلى هذا فالإبعاد بالحشر في الموعد هو الحساب والجزاء هو العقاب، فكأنه بيّن بقوله :﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ أن الحساب يستوفي والعقاب يوفى ثم قال تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٦٣
١٦٣
وفي تفسيره مباحث :
الأول :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ قيل : الطرائق، وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد طرائق الكواكب وممراتها كما يقال في المحابك، ويحتمل أن يكون المراد ما في السماء من الأشكال بسبب النجوم، فإن في سمت كواكبها طريق التنين والعقرب والنسر الذي يقول به أصحاب الصور ومنطقة الجوزاء وغير ذلك كالطرائق، وعلى هذا فالمراد به السماء المزينة بزينة الكواكب، ومثله قوله تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ (البروج : ١) وقيل : حبكها صفاقها يقال في الثوب الصفيق حسن الحبك وعلى هذا فهو كقوله تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ (الطارق : ١١) لشدتها وقوتها وهذا ما قيل فيه.


الصفحة التالية
Icon