وهو يحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون متعلقاً بقوله :﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَراَّصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْـاَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَـاذَا الَّذِى كُنتُم بِه تَسْتَعْجِلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ * ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـاـاهُمْ رَبُّهُم إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآاـاِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِى﴾ تدلهم على أن الحشر كائن كما قال تعالى :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَنَّكَ تَرَى الارْضَ خَـاشِعَةً﴾ إلى أن قال :﴿إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا﴾ (فصلت : ٣٩). وثانيهما : أن يكون متعلقاً بأفعال المتقين، فإنهم خافوا الله فعظموه فأظهروا الشفقة على عباده، وكان لهم آيات في الأرض، وفي أنفسهم على إصابتهم الحق في ذلك، فإن من يكون له في الأرض الآيات العجيبة يكون له القدرة التامة فيخشى ويتقى، ومن له من أنفس الناس حكم بالغة ونعم سابغة يستحق أن يعبد ويترك الهجوع لعبادته، وإذا قابل العبد العبادة بالنعمة يجدها دون حد الشكر فيستغفر على التقصير، وإذا علم أن الرزق من السماء لا يبخل بماله، فالآيات الثلاثة المتأخرة فيها تقرير ما تقدم، وعلى هذا فقوله تعالى :﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ (الذاريات : ٢٣) يكون عود الكلام بعد اعتراض الكلام الأول أقوى وأظهر، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف خصص الموقنين بكون الآيات لهم مع أن الآيات حاصلة للكل قال تعالى :﴿وَءَايَةٌ لَّهُمُ الارْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـاهَا﴾ (يس : ٣٣) نقول قد ذكرنا أن اليمين آخر ما يأتي به المبرهن وذلك لأنه أولاً يأتي بالبرهان، فإن صدق فذلك وإن لم يصدق لا بد له من أن ينسبه الخصم إلى إصرار على الباطل لأنه إذا لم يقدر على قدح فيه ولم يصدقه يعترف له بقوة الجدل وينسبه إلى المكابرة فيتعين طريقه في اليمين، فإذا آيات الأرض لم تفدهم لأن اليمين بقوله :﴿وَالذَّارِيَـاتِ ذَرْوًا﴾ (الذاريات : ١) دلت على سبق إقامة البينات وذكر الآيات ولم يفد فقال فيها :﴿وَفِى الارْضِ ءَايَـاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ وإن لم يحصل للمصر المعاند منها فائدة، وأما في سورة يس وغيرها من الموانع التي جعل فيها آيات الأرض للعامة لم يحصل فيها اليمين وذكر الآيات قبله فجاز أن يقال إن الأرض آيات لمن ينظر فيها. الجواب الثاني : وهو الأصح أن هنا الآيات بالفعل والاعتبار للمؤمنين أي حصل ذلك لهم وحيث قال لكل معناه إن فيها آيات لهم إن نظروا وتأملوا.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٧٢
المسألة الثانية : ههنا قال :﴿وَفِى الارْضِ ءَايَـاتٌ﴾ وقال هناك :﴿وَءَايَةٌ لَّهُمُ الارْضُ﴾ (يس : ٣٣) نقول لما جعل الآية ﴿لِّلْمُوقِنِينَ﴾ ذكر بلفظ الجمع لأن الموقن لا يغفل عن الله تعالى في حال ويرى في كل شيء آيات دالة، وأما الغافل فلا يتنبه إلا بأمور كثيرة فيكون الكل له كالآية الواحدة.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٧٢
١٧٣
إشارة إلى دليل الأنفس، وهو كقوله تعالى :﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ (فصلت : ٥٣) وإنما اختار من دلائل الآفاق ما في الأرض لظهورها لمن على ظهورها فإن في أطرافها وأكنافها ما لا يمكن عد أصنافها فدليل الأنفس في قوله :﴿وَفِى أَنفُسِكُمْ ﴾ عام ويحتمل أن يكون مع المؤمنين، وإنما أتى بصيغة الخطاب لأنها أظهر لكون علم الإنسان بما في نفسه أتم وقوله تعالى :﴿وَفِى أَنفُسِكُمْ ﴾ يحتمل أن يكون المراد وفيكم، يقال الحجارة في نفسها صلبة ولا يراد بها النفس التي هي منبع الحياة والحس والحركات، ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله :﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ بالاستفهام إشارة إلى ظهورها.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٧٣
١٧٤


الصفحة التالية
Icon