ومن جملة الفوائد اللفظية أن لات يختص استعمالها بالزمان قال الله تعالى :﴿وَّلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ (ص : ٣) ولا يقال لات الرجل سوء/ وذلك لأن الزمان تجدد بعد تجدد ولا يبقى بعد الفناء حياة أخرى وبعد كل حركة حركة أخرى وبعد كل زمان زمان وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ (الرحمن : ٢٩) أي قبل الخلق لم يخلق شيئاً، لكنه يعد ما خلق فهو أبداً دائماً يخلق شيئاً بعد شيء فبعد حياتنا موت وبعد موتنا حياة وبعد حياتنا حساب وبعد الحساب ثواب دائم أو عقاب لازم ولا يترك الله الفعل فلما بعد الزمان عن النفي زيد في الحروف النافية زيادة، فإن قيل فالله تعالى أبعد عن الانتفاء فكان ينبغي أن لا تقرب التاء بكلمة لا هناك، نقول ﴿وَّلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ تأويل وعليه لا يرد ما ذكرتم وهو أن لا هي المشبهة بليس تقديره ليس الحين حين مناص، وهو المشهور، ولذلك اختص بالحين دون اليوم والليل لأن الحين أدوم من الليل والنهار فالليل والنهار قد لا يكون والحين يكون.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذاً للمكذبين، فالفاء لاتصال المعنى، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان، وذلك لأنه لما قال :﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ (الطور : ٧) لم يبين بأن موقعه بمن، فلما قال :﴿فَوَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ علم المخصوص به وهو المكذب، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا قلت بأن قوله ﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون، نقول ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى :﴿كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا﴾ (الملك : ٨، ٩) فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان، وإنما يدخل فيها ليظهر إدخال مع نوع إكرام، فكذلك الويل للمكذبين، والويل ينبىء عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قوياً والولي فيه القوة على المولى عليه، ويدل عليه قوله تعالى :﴿يُدَعُّونَ﴾ (الطور : ١٣) فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله ﴿وَيْلٌ﴾ مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى، وجهه في قوله تعالى :﴿قَالَ سَلَـامٌ﴾ (الذاريات : ٢٥) والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل، ولهذا قال تعالى :﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ (التوبة : ٦٩) وقال تعالى :﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآاـاِضِينَ﴾ (المدثر : ٤٥) وتنكير الخوض يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم ثانيهما : أن يكون التنوين تعويضاً عن المضاف إليه، كما في قوله تعالى :﴿إِلا﴾ (التوبة : ٨) وقوله ﴿وَإِنَّ كُلا﴾ (هود : ١١١) و﴿بَعْضَهُم بِبَعْضٍ﴾ (البقرة : ٢٥١). والأصل في خوضهم المعروف منهم وقوله ﴿الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ﴾ ليس وصفاً للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كما أنك تقول الشيطان الرجيم /ولا تريد فصله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك أكرم الرجل العالم، فالوصف بالرجيم للذم به لا للتعريف وتقول في المدح : الله الذي خلق، والله العظيم للمدح لا للتمييز ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم، فإن الله واحد لا غير.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
فيه مباحث لفظية ومعنوية. أما اللفظية ففيها مسائل :
المسألة الأولى : يوم منصوب بماذا ؟
نقول الظاهر أنه منصوب بما بعده وهو ما يدل عليه قوله تعالى :﴿هَـاذِهِ النَّارُ﴾ (الطور : ١٤) تقديره يوم يدعون يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون، ويحتمل غير هذا وهو أن يكون يوم بدلاً عن يوم في يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم يوعدون أي المكذبون وذلك أن قوله ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ (الطور : ١١) معناه يوم يقع العذاب وذلك اليوم هو يوم يوعدون فيه إلى النار.
المسألة الثانية : قوله ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ يدل على هول نار جهنم، لأن خزنتها لا يقربون منها وإنما يدفعون أهلها إليها من بعيد ويلقونهم فيها وهم لا يقربونها.
المسألة الثالثة :﴿دَعًّا﴾ مصدر، وقد ذكرت فائدة ذكر المصادر وهي الإيذان بأن الدع دع معتبر يقال له دع ولا يقال فيه ليس بدع، كما يقول القائل في الضرب الخفيف مستحقراً له : هذا ليس بضرب والعدو المهين : هذا ليس بعدو في غير المصادر، والرجل الحقير ليس برجل إلا على قراءة من قرأ ﴿يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ فإن دعاء حينئذ يكون منصوباً على الحال تقديره يقال لهم هلموا إلى النار مدعوين إليها.


الصفحة التالية
Icon