فيه وجوه : أحدها : ما اختاره الزمخشري وهو أنهم لا يوقنون بأنهم خلقوا وهو حينئذ في معنى قوله تعالى :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ (لقمان : ٢٥) أي هم معترفون بأنه خلق الله وليس خلق أنفسهم وثانيها : المراد بل لا يوقنون بأن الله واحد وتقديره ليس الأمر كذلك أي ما خلقوا وإنما لا يوقنون بوحدة الله وثالثها : لا يوقنون أصلاً من غير ذكر مفعول يقال فلان ليس بمؤمن وفلان ليس بكافر لبيان مذهبه وإن لم ينو مفعولاً، وكذلك قول القائل فلان يؤذي ويؤدي لبيان ما فيه لا مع القصد إلى ذكر مفعول، وحينئذ يكون تقديره أنهم ما خلقوا السموات والأرض ولا يوقنون بهذه الدلائل، بل لا يوقنون أصلاً وإن جئتهم بكل آية، يدل عليه قوله تعالى بعد ذلك ﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ﴾ (الطور : ٤٤) وهذه الآية إشارة إلى دليل الآفاق، وقوله من قبل ﴿أَمْ خَلَقُوا ﴾ (الطور : ٣٧) دليل الأنفس.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
فيه وجوه أحدها : المراد من الخزائن خزائن الرحمة ثانيها : خزائن الغيب ثالثها : أنه إشارة إلى الأسرار الإلهية المخفية عن الأعيان رابعها : خزائن المخلوقات التي لم يرها الإنسان ولم يسمع بها، وهذه الوجوه الأول والثاني منقول، والثالث والرابع مستنبط، وقوله تعالى :﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ﴾ تتمة للرد عليهم، وذلك لأنه لما قال :﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ رَبِّكَ﴾ إشارة إلى أنهم ليسوا بخزنة (رحمة) الله فيعلموا خزائن الله، وليس بمجرد انتفاء كونهم خزنة ينتفي العلم لجواز أن يكون مشرفاً على الخزانة، فإن العلم بالخزائن عند الخازن والكاتب في الخزانة، فقال لستم بخزنة ولا بكتبة الخزانة المسلطين عليها، ولا يبعد تفسير المسيطرين بكتبة الخزانة، لأن التركيب يدل على السطر وهو يستعمل في الكتاب، وقيل المسيطر المسلط وقرىء بالصاد، وكذلك في كثير من السيئات التي مع الطاء، كما في قوله تعالى :﴿بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية : ٢٢) و(قد قرىء) مصيطر.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
وهو أيضاً تتميم للدليل، فإن من لا يكون خازناً ولا كاتباً قد يطلع على الأمر بالسماع من الخازن أو الكاتب، /فقال أنتم لستم بخزنة ولا كتبة ولا اجتمعتم بهم، لأنهم ملائكة ولا صعود لكم إليهم، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المقصود نفي الصعود، ولا يلزم من نفي السلم لهم نفي الصعود، فما الجواب عنه ؟
نقول النفي أبلغ من نفي الصعود، وهو نفي الاستماع وآخر الآية شامل للكل، قال تعالى :﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾.
المسألة الثانية : السلم لا يستمع فيه، وإنما يستمع عليه، فما الجواب ؟
نقول من وجهين : أحدهما : ما ذكره الزمخشري أن المراد ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ صاعدين فيه وثانيهما : ما ذكره الواحدي أن في بمعنى على، كما في قوله تعالى :﴿وَلاصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ (طه : ٧١) أي جذوع النخل، وكلاهما ضعيف لما فيه من الإضمار والتغيير.
المسألة الثالثة : لم ترك ذكر مفعول ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ وماذا هو ؟
نقول فيه وجوه أحدها : المستمع هو الوحي، أي هل لهم سلم يستمعون فيه الوحي ثانيها : يستمعون ما يقولون من أنه شاعر، وأن لله شريكاً، وأن الحشر لا يكون ثالثها : ترك المفعول رأساً، كأنه يقول : هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول، وكلامه ليس بمرسل.
المسألة الرابعة : قال :﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم﴾ ولم يقل فليأتوا، كما قال تعالى :﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِه ﴾ (الطور : ٣٤) نقول طلب منهم ما يكون أهون على تقدير صدقهم، ليكون اجتماعهم عليه أدل على بطلان قولهم، فقال هناك ﴿فَلْيَأْتُوا ﴾ أي اجتمعوا عليه وتعاونوا، وأتوا بمثله، فإن ذلك عند الاجتماع أهون، وأما الارتقاء في السلم بالاجتماع (فإنه) متعذر لأنه لا يرتقي إلا واحد بعد واحد، ولا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال :﴿فَلْيَأْتِ﴾ ذلك الواحد الذي كان أشد رقياً بما سمعه.
المسألة الخامسة : قوله ﴿بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾ ما المراد به ؟
نقول هو إشارة إلى لطيفة، وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه، وقيل لهم ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم﴾ بما سمع لكان لواحد أن يقول : أنا سمعت كذا وكذا فيفتري كذباً، فقال لا بل الواجب أن يأتي بدليل يدل عليه.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨


الصفحة التالية
Icon