المسألة الثانية : إن قال قائل ألزمت أن تبين أن أم لا تقع إلا متوسطة حقيقة أو تقديراً فكيف ذلك ههنا ؟
نقول كأنه تعالى يقول أتهديهم لوجه الله أم تسألهم أجراً، وترك الأول لعدم وقوع الإنكار عليه كما قلنا في قوله ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَـاتُ﴾ (الطور : ٣٩) إن المقدار هو واحد أم له البنات، وترك ذكر الأول لعدم وقوع الإنكار عليه من الله تعالى وكونهم قائلين بأنه لا يريد وجه الله تعالى، وإنما يريد الرياسة والأجر في الدنيا.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
المسألة الثالثة : هل في خصوص قوله تعالى ﴿أَجْرًا﴾ فائدة لا توجد في غيره لو قال أم تسألهم شيئاً أو مالاً أو غير ذلك ؟
نقول نعم، وقد تقدم القول مني أن كل لفظ في القرآن فيه فائدة وإن كنا لا نعلمها، والذي يظهر ههنا أن ذلك إشارة إلى أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلّم فيه مصلحتهم وذلك لأن الأجر لا يطلب إلا عند فعل شيء يفيد المطلوب منه الأجر فقال : أنت أتيتهم بما لو طلبت عليه أجراً وعلموا كمال ما في دعوتك من المنفعة لهم وبهم، لأتوك بجميع أموالهم ولفدوك بأنفسهم، ومع هذا لا تطلب منهم أجراً، ولو قال شيئاً أو مالاً لما حصلت هذه الفائدة والله أعلم.
المسألة الرابعة : هذا يدل على أنه لم يطلب منهم أجراً ما، وقوله تعالى :﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ (الشورى : ٢٣) يدل على أنه طلب أجراً ما فكيف الجمع بينهما ؟
نقول لا تفرقة بينهما بل الكل حق وكلاهما ككلام واحد، وبيانه هو أن المراد من قوله ﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ هو أني لا أسألكم عليه أجراً يعود إلى الدنيا، وإنما أجرى المحبة في الزلفى إلى الله تعالى/ وأن عباد الله الكاملين أقرب إلى الله تعالى من عباده الناقصين، وعباد الله الذين كلمهم الله وكلموه وأرسلهم لتكميل عباده فكملوا أقرب إلى الله من الذين (لم يكلمهم و) لم يرسلهم الله ولم يكملوا وعلى هذا فهو في معنى قوله ﴿إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللَّه ﴾ (يونس : ٧٢) وإليه أنتمي وقوله صلى الله عليه وسلّم :"فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة" وقوله ﴿فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ وبين ما ذكرنا أن قوله ﴿أَمْ تَسْـاَلُهُمْ أَجْرًا﴾ المراد أجر الدنيا وقوله ﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ المراد العموم ثم استثنى، ولا حاجة إلى ما قاله الواحدي إن ذلك منقطع معناه لكن المودة في القربى، وقد ذكرناه هناك فليطلب منه.
المسألة الخامسة : قوله تعالى :﴿فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلّم ما طلب منهم شيئاً ولو طالبهم بأجر ما كان لهم أن يتركوا اتباعه بأدنى شيء، اللّهم إلا إن أثقلهم التكليف ويأخذ كل ما لهم ويمنعهم التخليف فيثقلهم الدين بعد ما لا يبقى لهم العين.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٩٨
٢٢٣
وهو على الترتيب الذي ذكرناه كأنه تعالى قال لهم : بم اطرحتم الشرع ومحاسنه، وقلتم ما قلتم بناء على اتباعكم الأوهام الفاسدة التي تسمونها المعقولات، والنبي صلى الله عليه وسلّم لا يطلب منكم أجراً وأنتم لا تعلمون فلا عذر لكم لأن العذر إما في الغرامة وإما في عدم الحاجة إلى ما جاء به ولا غرامة عليكم فيه ولا غنى لكم عنه وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف التقدير ؟
قلنا لا حاجة إلى التقدير بل هو استفهام متوسط على ما ذكرنا كأنه قال أتهديهم لوجه الله تعالى أم تسألهم أجراً فيمتنعون أم لا حاجة لهم إلى ما تقول لكونهم عندهم الغيب فلا يتبعون.
المسألة الثانية : الألف واللام في الغيب لتعريف ماذا ألجنس أو لعهد ؟
نقول الظاهر أن المراد نوع الغيب كما يقول القائل اشترى اللحم يريد بيان الحقيقة لأكل لحم ولا لحماً معيناً، والمراد في قوله تعالى :﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾ (الأنعام : ٧٣) الجنس واستغراقه لكل غيب.
المسألة الثالثة : على هذا كيف يصح عندهم الغيب وما عند الشخص لا يكون غيباً ؟
نقول معناه حضر عندهم ما غاب عن غيرهم، وقيل هذا متعلق بقوله ﴿نَّتَرَبَّصُ بِه رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ (الطور : ٣٠) أي أعندكم الغيب تعلمون أنه يموت قبلكم وهو ضعيف، لبعد ذلك ذكر، أو لأن قوله تعالى :﴿قُلْ تَرَبَّصُوا ﴾ متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذلك.


الصفحة التالية
Icon