المسألة الرابعة :﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ماذا ؟
نقول الظاهر أنه إشارة إلى اليوم وفيه وجهان /آخران أحدهما : في قوله ﴿يُصْعَقُونَ﴾ (الطور : ٤٥) وقوله ﴿يُغْنِى عَنْهُمْ﴾ (الطور : ٤٦) إشارة إلى عذاب واقع فقوله ذلك إشارة إليه، ويمكن أن يقال قد تقدم قوله ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ (الطور : ٧) وقوله ﴿دُونَ ذَالِكَ﴾، أي دون ذلك العذاب ثانيهما :﴿دُونَ ذَالِكَ﴾، أي كيدهم فذلك إشارة إلى الكيد وقد بينا وجهه في المثال الذي مثلنا وهو قول القائل : تحت لجاجك حرمانك، والله أعلم.
المسألة الخامسة :﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ ذكرنا فيه وجوهاً أحدها : أنه جرى على عادة العرب حيث تعبر عن الكل بالأكثر كما قال تعالى :﴿أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾ (سبأ : ٤١) ثم إن الله تعالى تكلم على تلك العادة ليعلم أن الله استحسنها من المتكلم حيث يكون ذلك بعيداً عن الخلف ثانيها : منهم من آمن فلم يكن ممن لا يعلم ثالثها : هم في أكثر الأحوال لم يعلموا وفي بعض الأحوال علموا وأقله أنهم علموا حال الكشف وإن لم ينفعهم.
المسألة السادسة : مفعول ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ جاز أن يكون هو ما تقدم من الأمر : وهو أن لهم عذاباً دون ذلك/ وجاز أن لا يكون له مفعول أصلا، فيكون المراد أكثرهم غافلون جاهلون.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى :﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ (طه : ١٣٠) ونشير إلى بعضه ههنا فإن طول العهد ينسي، فنقول لما قال تعالى :﴿فَذَرْهُمْ﴾ (الطور : ٤٥) كان فيه الإشارة إلى أنه لم يبق في نصحهم نفع ولا سيما وقد تقدم قوله تعالى :﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ (الطور : ٤٤) وكان ذلك مما يحمل النبي صلى الله عليه وسلّم على الدعاء كما قال نوح عليه السلام ﴿رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الارْضِ مِنَ الْكَـافِرِينَ دَيَّارًا﴾ (نوح : ٢٦) وكما دعا يونس عليه السلام فقال تعالى :﴿وَاصْبِرْ﴾ وبدل اللعن بالتسبيح ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ بدل قولك اللّهم أهلكهم ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ (القلم : ٤٨) وقوله تعالى :﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ فيه وجوه الأول : أنه تعالى لما بيّن أنهم يكيدونه كان ذلك مما يقتضي في العرف المبادرة إلى إهلاكهم لئلا يتم كيدهم فقال : اصبر ولا تخف، فإنك محفوظ بأعيننا ثانيها : أنه تعالى قال فاصبر ولا تدع عليهم فإنك بمرأى منا نراك وهذه الحالة تقتضي أن تكون على أفضل ما يكون من الأحوال لكن كونك مسبحاً لنا أفضل من كونك داعياً على عباد خلقناهم، فاختر الأفضل فإنك بمرأى منا ثالثها : أن من يشكو حاله عند غيره يكون فيه إنباء عن عدم علم المشكو إليه بحال الشاكي فقال تعالى : اصبر ولا تشك حالك فإنك بأعيننا نراك فلا فائدة في شكواك، وفيه مسائل مختصة بهذا الموضع لا توجد في قوله ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ (طه : ١٣٠).
المسألة الأولى : اللام في قوله ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ﴾ تحتمل وجوهاً : الأول : هي بمعنى إلى أي اصبر إلى أن يحكم الله الثاني : الصبر فيه معنى الثبات، فكأنه يقول فاثبت لحكم ربك يقال /ثبت فلان لحمل قرنه الثالث : هي اللام التي تستعمل بمعنى السبب يقال لم خرجت فيقال لحكم فلان علي بالخروج فقال :﴿وَاصْبِرْ﴾ واجعل سبب الصبر امتثال الأمر حيث قال واصبر لهذا الحكم عليك لا لشيء آخر.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
المسألة الثانية : قال ههنا ﴿بِأَعْيُنِنَا ﴾ وقال في مواضع أخر ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾ (طه : ٣٩) نقول لما وحد الضمير هناك وهو ياء المتكلم وحده وحد العين ولما ذكر ههنا ضمير الجمع في قوله ﴿بِأَعْيُنِنَا ﴾ وهو النون جمع العين، وقال :﴿بِأَعْيُنِنَا ﴾ هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فلأن الحفظ ههنا أتم لأن الصبر مطية الرحمة بالنبي صلى الله عليه وسلّم حيث اجتمع له الناس وجمعوا له مكايد وتشاوروا في أمره، وكذلك أمره بالفلك وأمره بالاتخاذ عند عدم الماء وحفظه من الغرق مع كون كل البقاع مغمورة تحت الماء تحتاج إلى حفظ عظيم في نظر الخلق فقال ﴿بِأَعْيُنِنَا ﴾.


الصفحة التالية
Icon