المسألة الثالثة :﴿ضِيزَى ﴾ قرىء بالهمزة وبغير همزة وعلى الأولى هي فعلى بكسر الفاء كذكرى على أنه مصدر وصف به كرجل عدل أي قسمة ضائزة وعلى القراءة الثانية هي فعلى وكان أصلها ضوزى لكن عين الكلمة كانت يائية فكسرت الفاء لتسلم العين عن القلب كذلك فعل ببيض فإن جمع أفعل فعل تقول أسود وسود وأحمر وحمر وتقول أبيض وبيض وكان الوزن بيض وكان يلزم منه قلب العين فكسرت الباء وتركت الباء على حالها، وعلى هذا ضيزى للمبالغة من ضائزة، تقول فاضل وأفضل وفاضلة وفضلى وكبير وأكبر وكبيرى وكبرى كذلك ضائز وضوز وضائزة وضوزى على هذا نقول أضوز من ضائز وضيزى من ضائزة، فإن قيل قد قلت من قبل إن قوله ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَـاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ (الطور : ٣٩) ليس بمعنى إنكار الأمرين بل بمعنى إنكار الأول وإظهار النكر بالأمر الثاني، كما تقول أتجعلون لله أنداداً وتعلمون أنه خلق كل ما سواه فإنه لا ينكر الثاني، وههنا قوله ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ دلّ على أنه أنكر الأمرين جميعاً نقول قد ذكرنا هناك أن الأمرين محتملان : أما إنكار الأمرين فظاهر في المشهور، أما إنكار الأول فثابت بوجوه، وأما الثاني فلما ذكرنا أنه تعالى قال كيف تجعلون لله البنات وقد صار لكم البنون بقدرته كما قال تعالى :﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ الشورى : ٤٩) (خالق البنين لكم لا يكون له بنات، وأما قوله ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ فنقول قد بينا أن تلك عائدة إلى النسبة أي نسبتكم البنات إلى الله تعالى مع أن لكم البنين قسمة ضائزة فالمنكر تلك النسبة وإن كان المنكر القسمة نقول يجوز أن يكون تقديره أيجوز جعل البنات لله تعالى كما أن واحداً إذا كان بينه وبين شريكه شيء مشترك على السوية فيأخذ نصفه لنفسه ويعطي من النصف الباقي نصفه لظالمه ونصفه لصاحبه فقال هذه قسمة ضائزة لا لكونه أخذ النصف فذلك حقه بل لكونه لم يوصل إليه النصف الباقي.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
ثم قال تعالى :﴿إِنْ هِىَ إِلا أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ وفيه /مباحث تدق عن إدراك اللغوي إن يكن عنده من العلوم حظ عظيم، ولنذكر ما قيل فيه أولاً فنقول قيل معناه : إن هي إلا أسماء، أي كونها إناثاً وكونها معبودات أسماء لا مسمى لها فإنها ليست بإناث حقيقة ولا معبودات، وقيل أسماء أي قلتم بعضها عزى ولا عزة لها، وقيل قلتم إنها آلهة وليست بآلهة، والذي نقوله هو أن هذا جواب عن كلامهم، وذلك على ما بينا أنهم قالوا نحن لا نشك في أن الله تعالى لم يلد كما تلد النساء ولم يولد كما تولد الرجال بالمجامعة والإحبال، غير أنا رأينا لفظ الولد مستعملاً عند العرب في المسبب تقول : بنت الجبل وبنت الشفة لما يظهر منهما ويوجد، لكن الملائكة أولاد الله بمعنى أنهم وجدوا بسببه من غير واسطة فقلنا إنهم أولاده، ثم إن الملائكة فيها تاء التأنيث فقلنا هم أولاد مؤنثة، والولد المؤنث بنت، فقلنا لهم بنات الله، أي لا واسطة بينهم وبين الله تعالى في الإيجاد كما تقول الفلاسفة، فقال تعالى : هذه الأسماء استنبطتموها أنتم بهوى أنفسكم وأطلقتم على الله ما يوهم النقص وذلك غير جائز، وقوله تعالى :﴿نَفْسٌ يَـاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنابِ اللَّهِ﴾ (الزمر : ٥٦) وقوله (بيده الخير) أسماء موهمة غير أنه تعالى أنزلها، وله أن يسمي نفسه بما اختار وليس لأحد أن يسمى بما يوهم النقص من غير ورود الشرع به، ولنبين التفسير في مسائل :
المسألة الأولى :﴿هِىَ﴾ ضمير عائد إلى ماذا ؟
نقول الظاهر أنها عائدة إلى أمر معلوم وهو الأسماء كأنه قال ما هذه الأسماء التي وضعتموها أنتم وهو المشهور، ويحتمل أن يقال هي عائدة إلى الأصنام بأنفسها أي ما هذه الأصنام إلا أسماء، وعلى هذا فهو على سبيل المبالغة والتجوز، يقال لتحقير إنسان ما زيد إلا اسم وما الملك إلا اسم إذا لم يكن مشتملاً على صفة تعتبر في الكلام بين الناس، ويؤيد هذا القول قوله تعالى :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِه إِلَّا أَسْمَآءً﴾ (يوسف : ٤٠) أي ما هذه الأصنام إلا أسماء.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon