الجواب عن الثالث : نقول الجموع القياسية لا مانع لها كفعال في جمع فعل كجال وثمار وأفعال كأثقال وأشجار وفعلان وغيرها، وأما السماع وإن لم يرد إلا قليلاً فاكتفى بما فيه من التعظيم من نسبة الجمع إلا باب الله ويكون من باب المرأة والنساء.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٦٥
الجواب عن الرابع : فالمنع ولعل هذا منه أو نقول حمل فعيلى على فعيل في الجمع كما حمل فيعل في الجمع على فعيل فقيل في جمع جيد جياد ولا يقال في فعيل أفاعل، ويؤيد ما ذكرنا أن إبليس عندما كان واقفاً بالباب كان داخلاً في جملة الملائكة، فنقول قوله تعالى :﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـا ئِكَةِ اسْجُدُوا لادَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ﴾ (الكهف : ٥٠) عندما صرف وأبعد خرج عنهم وصار من الجن.
وأما ما قاله بعض أهل اللغة من أن الملائكة جمع ملأك، وأصل ملأك مألك من الألوكة وهي الرسالة ففيه تعسفات أكثر مما ذكرنا بكثير، منها أن الملك لا يكون فعل بل هو مفعل وهو خلاف الظاهر، ولم لم يستعمل مآلك على أصله كمآرب ومآثم ومآكل وغيرها مما لا يعد إلا بتعسف ؟
ومنها أن ملكاً لم جعل ملأك ولم يفعل ذلك بأخواته التي ذكرناها ؟
ومنها أن التاء لم ألحقت بجمعه ولم لم يقل ملائك كما في جمع كل مفعل ؟
والذي يرد قولهم قوله تعالى :﴿جَاعِلِ الملائكة رُسُلا﴾ (فاطر : ١) فهي غير الرسل فلا يصح أن يقال جعلت الملائكة رسلاً كما لا يصح جعلت الرسل مرسلين وجعل المقترب قريباً، لأن الجعل لا بد فيه من تغيير ومما يدل على خلاف ما ذكروا أن الكل منسوبون إليه موقوفون بين يديه منتظرون أمره لورود الأوامر عليهم. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٦٥
٢٦٨
وفيما يعود إليه الضمير في ﴿بِه ﴾ وجوه أحدها : ما نقله الزمخشري وهو أنه عائد إلى ما كانوا يقولون من غير علم ثانيها : أنه عائد إلى ما تقدم في الآية المتقدمة من علم، أي ما لهم بالله من علم فيشركون وقرىء ﴿مَّا لَهُم﴾. وفيه وجوه أيضاً أحدها : ما لهم بالآخرة وثانيها : ما لهم بالتسمية ثالثها : ما لهم بالملائكة، فإن قلنا (ما لهم بالآخرة) فهو جواب لما قلنا إنهم وإن كانوا يقولون الأصنام شفعاؤنا عند الله وكانوا يربطون الإبل على قبور الموتى ليركبوها لكن ما كانوا يقولون به عن علم، وإن قلنا بالتسمية قد تكون وهو أن العلم بالتسمية حاصل لهم، فإنهم يعلمون أنهم ليسوا في شك، إذ التسمية قد تكون وضعاً أولياً وهو لا يكون بالظن بل بالعلم بأنه وضع، وقد يكون استعمالاً معنوياً ويتطرق إليه الكذب والصدق والعلم، مثال الأول : من وضع أولاً اسم السماء لموضوعها وقال هذا سماء، مثال الثاني : إذا قلنا بعد ذلك للماء والحجر هذا سماء، فإنه كذب، ومن يعتقده فهو جاهل، وكذلك قولهم في الملائكة إنها بنات الله، لم تكن تسمية وضعية، وإنما أرادوا به أنهم موصوفون بأمر يجب استعمال لفظ البنات فيهم، وذلك كذب ومعتقده جاهل، فهذا هو المراد بما ذكرنا أن الظن يتبع في الأمور المصلحية، والأفعال العرفية أو الشرعية عند عدم الوصول إلى اليقين، وأما في الاعتقادات فلا يغني الظن شيئاً من الحق، فإن قيل : أليس الظن قد يصيب، فكيف يحكم عليه بأنه لا يغني أصلاً ؟
نقول المكلف يحتاج إلى يقين يميز الحق من الباطل، ليعتقد الحق ويميز الخير /من الشر ليفعل الخير، لكن في الحق ينبغي أن يكون جازماً لاعتقاد مطابقه، والظان لا يكون جازماً، وفي الخير ربما يعتبر الظن في مواضع، ويحتمل أن يقال المراد من الحق هو الله تعالى، ومعناه أن الظن لا يفيد شيئاً من الله تعالى، أي الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون يدل عليه قوله تعالى :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ (الحج : ٦) وفيه لطيفة، وهي أن الله تعالى في ثلاثة مواضع منع من الظن، وفي جميع تلك المواضع كان المنع عقيب التسمية، والدعاء باسم موضعان منها في هذه السورة أحدهما : قوله تعالى :﴿إِنْ هِىَ إِلا أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍا إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ﴾ (النجم : ٢٣). والثاني : قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ (الحجرات : ١١، ١٢) عقيب الدعاء بالقلب، وكل ذلك دليل على أن حفظ اللسان أولى من حفظ غيره من الأركان، وأن الكذب أقبح من السيئات الظاهرة من الأيدي والأرجل، وهذه المواضع الثلاثة أحدها : مدح من لا يستحق المدح كاللاّت والعزى من العز وثانيها : ذم من لا يستحق الذم، وهم الملائكة الذين هم عباد الرحمن يسمونهم تسمية الأنثى وثالثها : ذم من لم يعلم حاله، وأما مدح من حاله لا يعلم، فلم يقل فيه : لا يتبعون إلا الظن، بل الظن فيه معتبر، والأخذ بظاهر حال العاقل واجب. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٦٨
٢٦٨


الصفحة التالية
Icon