الأول : قال تعالى :﴿وَأَنَّه خَلَقَ﴾ ولم يقل : وأنه هو خلق كما قال :﴿وَأَنَّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ (النجم : ٤٣) وذلك لأن الضحك والبكاء ربما يتوهم متوهم أنه بفعل الإنسان، وفي الإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم بعيداً، لكن ربما يقول به جاهل، كما قال من حاج إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال :﴿أَنَا أُحْىِا وَأُمِيتُ ﴾ (البقرة : ٢٥٨) فأكد ذلك بذكر الفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أن يفعل أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَأَنَّه هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾ (النجم : ٤٨) حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُه عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ (القصص : ٧٨) ولذلك قال :﴿وَأَنَّه هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ (النجم : ٤٩) لأنهم كانوا يستبعدون أن يكون رب محمد هو رب الشعرى فأكد في مواضع استبعادهم النسبة إلى الله تعالى الإسناد ولم يؤكده في غيره.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٢
المسألة الثانية : الذكر والأنثى اسمان هما صفة أو اسمان ليسا بصفة ؟
المشهور عند أهل اللغة الثاني والظاهر أنهما من الأسماء التي هي صفات، فالذكر كالحسن والعزب والأنثى كالحبلى والكبرى وإنما قلنا : إنها كالحبلى في رأي لأنها حيالها أنشئت لا كالكبرى، وإن قلنا : إنها كالكبرى في رأي، وإنما قلنا : إن الظاهر أنهما صفتان، لأن الصفة ما يطلق على شيء ثبت له أمر كالعالم يطلق على شيء له علم والمتحرك يقال لشيء له حركة بخلاف الشجر والحجر، فإن الشجر لا يقال لشيء بشرط أن يثبت له أمر بل هو اسم موضوع لشيء معين، والذكر اسم يقال لشيء له أمر، ولهذا يوصف به، ولا يوصف بالشجر، يقال جاءني شخص ذكر، أو إنسان ذكر، ولا يقال جسم شجر، والذي ذهب إلى أنه اسم غير صفة إنما ذهب إليه، لأنه لم يرد له فعل، والصفة في الغالب له فعل كالعالم والجاهل / والعزب والكبرى والحبلى، وذلك لا يدل على ما ذهب إليه/ لأن الذكورة والأنوثة من الصفات التي لا يتبدل بعضها ببعض، فلا يصاغ لها أفعال لأن الفعل لما يتوقع له تجدد في صورة الغالب، ولهذا لم يوجد للإضافيات أفعال كالأبوة والبنوة والأخوة إذ لم تكن من الذي يتبدل، ووجد للإضافيات المتبدلة أفعال يقال : واخاه وتبناه لما لم يكن مثبتاً بتكلف فقبل التبدل.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٢
٢٨٣
وقوله تعالى :﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي قطعة من الماء.
وقوله تعالى :﴿إِذَا تُمْنَى ﴾ من أمنى المني إذا نزل أو منى يمني إذا قدر وقوله تعالى :﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ تنبيه على كمال القدرة لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء، ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعاً متباينة وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون على ما بينا، ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعيه كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السموات، ولهذا قال تعالى :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ كما قال :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ (الزمر : ٣٨).
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٣
٢٨٣


الصفحة التالية
Icon