المسألة الرابعة : ما الحكمة في اختصاص المؤتفكة باسم الموضع في الذكر، وقال في عاد وثمود، وقوم نوح اسم القوم ؟
نقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن ثمود اسم الموضع فذكر عاداً باسم القوم، وثمود باسم الموضع، وقوم نوح باسم القوم والمؤتفكة باسم الموضع ليعلم أن القوم لا يمكنهم صون أماكنهم عن عذاب الله تعالى ولا الموضع يحصن القوم عنه فإن في العادة تارة يقوي الساكن فيذب عن مسكنه وأخرى يقوي المسكن فيرد عن ساكنه وعذاب الله لا يمنعه مانع، وهذا المعنى حصل للمؤمنين في آيتين أحدهما قوله تعالى :﴿وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ﴾ (الفتح : ٢٠) وقوله تعالى :﴿وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ﴾ (الحشر : ٢) ففي الأول لم يقدر الساكن على حفظ مسكنه وفي الثاني لم يقو الحصن على حفظ الساكن والوجه الثاني : هو أن عاداً وثمود وقوم نوح، كان أمرهم متقدماً، وأماكنهم كانت قد دثرت، ولكن أمرهم كان مشهوراً متواتراً، وقوم لوط كانت مساكنهم وآثار الانقلاب فيها ظاهرة، فذكر الأظهر من الأمرين في كل قوم.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٥
٢٨٦
يحتمل أن يكون ما مفعولاً وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون الذي غشي هو الله تعالى فيكون كقوله تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَـاـاهَا﴾ ويحتمل أن يكون فاعلاً يقال : ضربه من ضربه، وعلى هذا نقول : يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى سبب غضب الله عليهم أي / غشاها عليهم السبب، بمعنى أن الله غضب عليهم بسببه، يقال لمن أغضب ملكاً بكلام فضربه الملك كلامك الذي ضربك.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٦
٢٨٦
قيل هذا أيضاً مما في الصحف، وقيل هو ابتداء كلام والخطاب عام، كأنه يقول : بأي النعم أيها السامع تشك أو تجادل، وقيل : هو خطاب مع الكافر، ويحتمل أن يقال مع النبي صلى الله عليه وسلّم، ولا يقال : كيف يجوز أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلّم :﴿تَتَمَارَى ﴾ لأنا نقول هو من باب :﴿ لئن أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (الزمر : ٦٥) يعني لم يبق فيه إمكان الشك، حتى أن فارضاً لو فرض النبي صلى الله عليه وسلّم ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراء في نعم الله والعموم هو الصحيح كأنه يقول : بأي آلاء ربك تتمارى أيها الإنسان، كما قال :﴿وَأَخَّرَتْ * يَـا أَيُّهَا الانسَـانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ (الانفطار : ٦) وقال تعالى :﴿وَكَانَ الانسَـانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلا﴾ (الكهف : ٥٤) فإن قيل : المذكور من قبل نعم والآلاء نعم، فكيف آلاء ربك ؟
نقول : لما عد من قبل النعم وهو الخلق من النطفة ونفخ الروح الشريفة فيه والإغناء والإقناء، وذكر أن الكافر بنعمه أهلك قال :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ فيصيبك مثل ما أصاب الذين تماروا من قبل، أو تقول : لما ذكر الإهلاك، قال للشاك : أنت ما أصابك الذي أصابهم وذلك بحفظ الله إياك :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ وسنزيده بياناً في قوله :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (الرحمن : ١٣) في مواضع.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٢٨٦
٢٨٧
وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon