المسألة الثالثة : قال تعالى من قبل :﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الارْضَ عُيُونًا﴾ ولم يقل كيف كان عذابنا نقول لوجهين أحدهما : لفظي وهو أن ياء المتكلم يمكن حذفها لأنها في اللفظ تسقط كثيراً فيما إذا التقى ساكنان، تقول : غلامي الذي، وداري التي، وهنا حذفت لتواخي آخر الآيات، وأما النون والألف في ضمير الجمع فلا تحذف وأما الثاني : وهو المعنوي فنقول : إن كان الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلّم فتوحيد الضمير للأنباء، وفي فتحنا وفجرنا لترهيب العصاة، ونقول : قد ذكرنا أن قوله :﴿مِن مُّدَّكِرٍ﴾ (القمر : ١٥) فيه إشارة إلى قوله :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ (الأعراف : ١٧٢) فلما وحد الضمير بقوله :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ قال فكيف كان.
المسألة الرابعة : النذر جمع نذير فهل هو مصدر كالنسيب والنحيب أو فاعل كالكبير والصغير ؟
نقول : أكثر المفسرين على أنه مصدر ههنا، أي كيف كان عاقبة عذابي وعاقبة إنذاري والظاهر أن المراد الأنباء، أي كيف كان عاقبة أعداء الله ورسله ؟
هل أصاب العذاب من كذب الرسل أم لا ؟
فإذا علمت الحال يا محمد فاصبر فإن عاقبة أمرك كعاقبة أولئك النذر ولم يجمع العذاب لأنه مصدر ولو جمع لكان في جمعه تقدير وفرض ولا حاجة إليه، فإن قيل : قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ (القمر : ٢٣) أي بالإنذارات لأن الإنذارات جاءتهم، وأما الرسل فقد جاءهم واحد، نقول : كل من تقدم من الأمم الذين أشركوا بالله كذبوا بالرسل وقالوا : ما أنزل الله من شيء وكان المشركون مكذبين بالكل ما خلا إبراهيم عليه السلام فكانوا يعتقدون فيه الخير لكونه شيخ المرسلين فلا يقال ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ / أي بالأنبياء بأسرهم، كما أنكم أيها المشركون تكذبون بهم.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٠٢
٣٠٤
وفيه وجوه الأول : للحفظ فيمكن حفظه ويسهل، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يحفظ على ظهر القلب غير القرآن.
وقوله تعالى :﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي هل من يحفظ ويتلوه الثاني : سهلناه للاتعاظ حيث أتينا فيه بكل حكمة الثالث : جعلناه بحيث يعلق بالقلوب ويستلذ سماعه ومن لا يفهم يتفهمه ولا يسأم من سمعه وفهمه ولا يقول قد علمت فلا أسمعه بل كل ساعة يزداد منه لذة وعلماً. الرابع : وهو الأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما ذكر بحال نوح عليه السلام وكان له معجزة قيل له : إن معجزتك القرآن ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ﴾ تذكرة لكل أحد وتتحدى به في العالم ويبقى على مرور الدهور، ولا يحتاج كل من يحضرك إلى دعاء ومسألة في إظهار معجزة، وبعدك لا ينكر أحد وقوع ما وقع كما ينكر البعض انشقاق القمر، وقوله تعالى :﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي متذكر لأن الافتعال والتفعل كثيراً ما يجيء بمعنى، وعلى هذا فلو قال قائل : هذا يقتضي وجود أمر سابق فنسي، نقول : ما في الفطرة من الانقياد للحق هو كالمنسي فهل من مدكر يرجع إلى ما فطر عليه / وقيل : فهل من مدكر أي حافظ أو متعظ على ما فسرنا به قوله تعالى :﴿يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ﴾ وقوله :﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ وعلى قولنا المراد متذكر إشارة إلى ظهور الأمر فكأنه لا يحتاج إلى نكر، بل هو أمر حاصل عنده لا يحتاج إلى معاودة ما عند غيره.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٠٤
٣٠٥
وفيه مسائل :
الأولى : قال في قوم نوح :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ (الشعراء : ١٠٥) ولم يقل في عاد كذبت قوم هود وذلك لأن التعريف كلما أمكن أن يؤتى به على وجه أبلغ فالأولى أن يؤتى به والتعريف بالاسم العلم أولى من التعريف بالإضافة إليه، فإنك إذا قلت : بيت الله لا يفيد ما يفيد قولك الكعبة، فكذلك إذا قلت : رسول الله لا يفيد ما يفيد قولك محمد فعاد اسم علم للقوم لا يقال قوم هود أعرف لوجهين أحدهما : أن الله تعالى وصف عاداً بقوم هود حيث قال :﴿أَلا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ (هود : ٦٠) ولا يوصف الأظهر بالأخفى والأخص بالأعم ثانيهما : أن قوم هود واحد وعاد، قيل : إنه لفظ يقع على أقوام ولهذا قال تعالى :﴿عَادًا الاولَى ﴾ (النجم : ٥٠) لأنا نقول : أما قوله تعالى :﴿لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ (هود : ٦٠) فليس ذلك صفة وإنما هو بدل ويجوز في البدل أن يكون دون المبدل في المعرفة، ويجوز أن يبدل عن المعرفة بالنكرة، وأما عاداً الأولى فقد قدمنا أن ذلك لبيان تقدمهم أي عاداً الذين تقدموا وليس ذلك للتمييز والتعريف كما تقول محمد النبي شفيعي والله الكريم ربي ورب الكعبة المشرفة لبيان الشرف لا لبيانها وتعريفها كما تقول : دخلت الدار المعمورة من الدارين وخدمت الرجل الزاهد من الرجلين فتبين المقصود بالوصف.


الصفحة التالية
Icon