﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، وهذه الوجوه قريبة بعضها من بعض والظاهر منها الثقلان، لذكرهما في الآيات من هذه السورة بقوله :﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ (الرحمن : ٣١)، وبقوله :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ﴾ (الرحمن : ٣٣) وبقوله :﴿خَلَقَ الانسَـانَ مِن صَلْصَـالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنَّ﴾ (الرحمن : ١٤) إلى غير ذلك، (والزوجان) لوروده في القرآن كثير والتعميم بإرادة نوعين حاصرين للجميع، ويمكن أن يقال : التعميم أولى لأن المراد لو كان الإنس والجن اللذان خاطبهما بقوله :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ما كان يقول بعد خلق الإنسان، بل كان يخاطب ويقول : خلقناك يا أيها الإنسان من صلصال وخلقناك يا أيها الجان أو يقول : خلقك يا أيها الإنسان / لأن الكلام صار خطاباً معهما، ولما قال الإنسان، دل على أن المخاطب غيره وهو العموم فيصير كأنه قال : يا أيها الخلق والسامعون إنا خلقنا الإنسان من صلصال كالفخار/ وخلقنا الجان من مارج من نار. وسيأتي باقي البيان في مواضع من تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى الثاني : ما الحكمة في الخطاب ولم يسبق ذكر مخاطب، نقول : هو من باب الالتفات إذ مبنى افتتاح السورة على الخطاب مع كل من يسمع، فكأنه لما قال :﴿الرَّحْمَـانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ﴾ (الرحمن : ١، ٢) قال : اسمعوا أيها السامعون، والخطاب للتقريع والزجر كأنه تعالى نبه الغافل المكذب على أنه يفرض نفسه كالواقف بين يدي ربه يقول له ربه : أنعمت عليك بكذا وكذا، ثم يقول : فبأي آلائي تكذب ولا شك أنه عند هذا يستحي استحياء لا يكون عنده فرض الغيبة الثالث : ما الفائدة في اختيار لفظة الرب وإذا خاطب أراد خطاب الواحد فلم قال :﴿رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ وهو الحاضر المتكلم فكيف يجعل التكذيب المسند إلى المخاطب وارداً على الغائب ولو قال : بأي آلائي تكذبان كان أليق في الخطاب ؟
نقول : في السورة المتقدمة قال :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ (القمر : ٢٣) ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطا بِالنُّذُرِ﴾ (القمر : ٣٣) وقال :﴿كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ (القمر : ٤٢) وقال :﴿فَأَخَذْنَـاهُمْ﴾ (
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٥٠


الصفحة التالية
Icon