القمر : ٤٢) وقال :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ (القمر : ٢١) كلها بالاستناد إلى ضمير المتكلم حيث كان ذلك للتخويف فالله تعالى أعظم من أن يخشى فلو قال : أخذهم القادر أو المهلك لما كان في التعظيم مثل قوله :﴿فَأَخَذْنَـاهُمْ﴾ ولهذا قال تعالى :﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه ﴾ (آل عمران : ٢٨، ٣٠) وهذا كما أن المشهور بالقوة يقول أنا الذي تعرفني فيكون في إثبات الوعيد فوق قوله أنا المعذب فلما كان الإسناد إلى النفس مستعملاً في تلك السورة عند الإهلاك والتعذيب ذكر في هذه السورة عند بيان الرحمة لفظ يزيل الهيبة وهو لفظ الرب فكأنه تعالى قال فبأي آلاء ربكما تكذبان وهو رباكما الرابع : ما الحكمة في تكرير هذه الآية وكونه إحدى وثلاثين مرة ؟
نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : إن فائدة التكرير التقرير وأما هذا العدد الخاص فالأعداد توقيفية لا تطلع على تقدير المقدرات أذهان الناس والأولى أن لا يبالغ الإنسان في استخراج الأمور البعيدة في كلام الله تعالى تمسكاً بقول عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال مع نفسه عند قراءته سورة عبس : كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفع عصا كانت بيده وقال هذا لعمر الله التكليف وما عليك يا عمر أن لا تدري ما الأب ثم قال : اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه وسيأتي فائدة كلامه تعالى في تفسير السورة إن شاء الله تعالى الجواب الثاني : ما قلناه : إنه تعالى ذكر في السورة المتقدمة :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ أربع مرات لبيان ما في ذلك من المعنى وثلاث مرات للتقرير والتكرير وللثلاث والسبع من بين الأعداد فوائد ذكرناها في قوله تعالى :﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّه مِنا بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ (لقمان : ٢٧) فلما ذكرنا العذاب ثلاث مرات ذكر الآلاء إحدى وثلاثين مرة لبيان ما فيه من المعنى وثلاثين مرة للتقرير الآلاء مذكورة عشر مرات أضعاف مرات ذكر العذاب إشارة إلى معنى قوله تعالى :﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى ا إِلا مِثْلَهَا﴾ (الأنعام : ١٦)، الثالث : إن الثلاثين مرة تكرير بعد البيان في المرة الأولى لأن / الخطاب مع الجن والإنس، والنعم منحصرة في دفع المكروه وتحصيل المقصود، لكن أعظم المكروهات عذاب جهنم ولها سبعة أبواب وأتم المقاصد نعيم الجنة ولها ثمانية أبواب فإغلاق الأبواب السبعة وفتح الأبواب الثمانية جميعه نعمة وإكرام، فإذا اعتبرت تلك النعم بالنسبة إلى جنسي الجن والإنس تبلغ ثلاثين مرة وهي مرات التكرير للتقرير/ والمرة الأولى لبيان فائدة الكلام، وهذا منقول وهو ضعيف، لأن الله تعالى ذكر نعم الدنيا والآخرة، وما ذكره اقتصار على بيان نعم الآخرة الرابع : هو أن أبواب النار سبعة والله تعالى ذكر سبع آيات تتعلق بالتخويف من النار، من قوله تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٥٠
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾، إلى قوله تعالى :﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ﴾ (الرحمن : ٣١ ـ ٤٤) ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك جنتين حيث قال :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ﴾ (الرحمن : ٤٦) ولكل جنة ثمانية أبواب تفتح كلها للمتقين، وذكر من أول السورة إلى ما ذكرنا من آيات التخويف ثماني مرات :﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ سبع مرات للتقرير بالتكرير استيفاء للعدد الكثير الذي هو سبعة، وقد بينا سبب اختصاصه في قوله تعالى :﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ (لقمان : ٢٧) وسنعيد منه طرفاً إن شاء الله تعالى، فصار المجموع ثلاثين مرة المرة الواحدة التي هي عقيب النعم الكثيرة لبيان المعنى وهو الأصل والتكثير تكرار فصار إحدى وثلاثين مرة.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٥٠
٣٥٠


الصفحة التالية
Icon