المسألة الثانية : كلمة (إذا) قد تستعمل لمجرد الظرف وقد تستعمل للشرط وقد تستعمل للمفاجأة وإن كانت في أوجهها ظرفاً لكن بينها فرق فالأول : مثل قوله تعالى :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ (الليل : ١، ٢) والثاني : مثل قوله : إذا أكرمتني أكرمك ومن هذا الباب قوله تعالى :﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه ﴾ (آل عمران : ١٥٩) وفي الأول لا بد وأن يكون الفعل في الوقت المذكور متصلاً به وفي الثاني لا يلزم ذلك، فإنك إذا قلت : إذا علمتني تثاب يكون الثواب بعده زماناً لكن استحقاقه يثبت في ذلك الوقت متصلاً به والثالث : مثال ما يقول : خرجت فإذا قد أقبل الركب أما لو قال : خرجت إذا أقبل الركب فهو في جواب من يقول متى خرجت إذا عرفت هذا فنقول : على أي وجه استعمل (إذا) ههنا ؟
نقول : يحتمل وجهين أحدهما : الظرفية المجردة على أن الفاء للتعقيب الزماني، فإن قوله :﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ﴾ بيان لوقت العذاب، كأنه قال : إذا انشقت السماء يكون العذاب أي بعد إرسال الشواظ، وعند انشقاق السماء يكون وثانيهما : الشرطية وذلك على الوجه الثالث وهو قولنا :﴿فَلا تَنتَصِرَانِ﴾ عند إرسال الشواظ فكيف تنتصران إذا انشقت السماء، كأنه قال : إذا انشقت السماء فلا تتوقعوا الانتصار أصلاً/ وأما الحمل على المفاجأة على أن يقال : يرسل عليكما شواظ فإذا السماء قد انشقت، فبعيد ولا يحمل ذلك إلا على الوجه الثاني من أن الفاء للتعقيب الذهني.
المسألة الثالثة : ما المختار من الأوجه ؟
نقول : الشرطية وحينئذ له وجهان أحدهما : أن يكون الجزاء محذوفاً رأساً ليفرض السامع بعده كل هائل، كما يقول القائل : إذا غضب السلطان على فلان لا يدري أحد ماذا يفعله، ثم ربما يسكت عند قوله إذا غضب السلطان متعجباً آتياً بقرينة دالة على تهويل الأمر، ليذهب السامع مع كل مذهب، ويقول : كأنه إذا غضب السلطان يقتل ويقول الآخر : إذا غضب السلطان ينهب ويقول الآخر غير ذلك وثانيهما : ما بينا من بيان عدم الانتصار ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ﴾ إلى أن قال تعالى :﴿وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا﴾ (الفرقان : ٢٥، ٢٦) فكأنه تعالى / قال : إذا أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس فلا ينتصران، فإذا انشقت السماء كيف ينتصران ؟
فيكون الأمر عسيراً، فيكون كأنه قال : فإذا انشقت السماء يكون الأمر عسيراً في غاية العسر، ويحتمل أن يقال : فإذا انشقت السماء يلقى المرء فعله ويحاسب حسابه كما قال تعالى :﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ إلى أن قال :﴿ يَـا أَيُّهَا الانسَـانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَـاقِيهِ﴾ (الانشقاق : ١ ـ ٦) الآية.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٦٨
المسألة الرابعة : ما المعنى من الانشقاق ؟
نقول : حقيقته ذوبانها وخرابها كما قال تعالى :﴿يَوْمَ نَطْوِى السَّمَآءَ﴾ (السماء : ١٠٤) إشارة إلى خرابها ويحتمل أن يقال : انشقت بالغمام كما قال تعالى :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ﴾ (الفرقان : ٢٥) وفيه وجوه منها أن قوله :﴿بِالْغَمَـامِ﴾ أي مع الغمام فيكون مثل ما ذكرنا ههنا من الانفطار والخراب.


الصفحة التالية
Icon